لماذا تتعمد (إسرائيل) إقامة حفلات في  مسجد بئر السبع؟

غزة – مها شهوان

 

لم تتوقف انتهاكات (إسرائيل) بحق المقدسات الإسلامية منذ احتلال فلسطين، لطمس الهوية العربية والإسلامية للأرض الفلسطينية.

مؤخرا، تكرر الحدث في مسجد بئر السبع بالنقب، فأقام الاحتلال حفل غنائي في ساحة المسجد ضمن سياسة تغيير معالم المسجد التي ينتهجها ، فهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الاعتداء على المسجد فهو مستهدف منذ عقود.

ويهدف الاحتلال بممارسته اقتلاع السكان من ارضهم حيث استفزازهم المستمر بالاعتداء على الأماكن المقدسة القديمة كما مسجد بئر السبع الذي بني زمن العثمانيين.

وما يدفع الاحتلال للاستيلاء على بيوت العبادة ومحاولة تدنيسها هو أن مساجد فلسطين التاريخية شامخة تدلل على ارتباط الأرض والشعب بهوية فلسطين وتاريخها وحضارتها، وأن  سياسة الاحتلال الاستيطانية والتهويدية لن تفلح في العبث بمعالم الأرض وتغيير حقائق التاريخ.

تاريخ بناء المسجد

بني  بئر السبع زمن العثمانيون على يد والي يافا أصف بيك الدمشقي بين عامي 1904 و1906، وكان منارة للثوار الفلسطينيين، وصدرت منه الخطابات السياسية في ثورة 1936، كما ويعتبر وقف إسلامي بحت وملك للمسلمين الذين هم سكان البلاد.

وأوعز الوالي الدمشقي بإحضار الحجارة من مدينة الخَلَصَة في جنوب فلسطين، وتم تخطيط المسجد بشكل بانورامي على شاكلة المساجد المقامة في اسطنبول ومساجد يافا والقدس، وما يزال يُحافظ على عمارته حتى اليوم.

ويعتبر واحدٌ من قرابة مئة مسجد فلسطينيّ وقع تحت الاحتلال عام 1948 ويُمنع الفلسطينيون من إقامة الصّلاة فيه.

وكان نقطة اجتماع عشائر النقب وشرقي الأردن وعشائر صحراء سيناء التي تلتقي فيه للراحة والعبادة خلال تنقلها بين مصر وبلاد الشام.

منذ العام 1953 وحتى 1991، حولت سلطات الاحتلال المسجدَ إلى متحف باسم "متحف النقب"، ثم نتيجة تصدعه تم إخلاؤه، وتُرك حتى عام 2002 مهجوراً ومهملاً دون أي استعمال.

وفي السبعينيات، بذل الفلسطينيون جهوداً لاستعادة المسجد وإقامة الصلاة فيه، وفي 2002 تقدّمت لجنة الدفاع عن حقوق البدو واللجنة الإسلامية في النقب بالتماسٍ لمحكمة الاحتلال العليا ضد استخدامه كمتحف وبالطبع رفض الاحتلال الالتماس.

وبعد ترميمه، افتتح الاحتلال في المسجد عام 2011 متحفاً جديداً، وتقام فيه وفي ساحته معارض ومهرجانات وحفلاتٌ موسيقيّة بشكلٍ دوريّ، كما وحاول في 2012 إقامة معرضٍ للخمور في باحاته لكنه تراجع بعد احتجاجات طويلة شارك فيها آلاف الفلسطينيين بالاعتصام وإقامة الصلوات.

ولاتزال تقف مئذنة المسجد شامخة بجوارها قبة بيضاء وأروقة جميلة، لكنها تشكو فلم يرفع منها الأذان منذ عام النكبة 1948م، حيث يخيم البؤس عليه لغياب المصلين المسلمين قسرا بسبب إجراءات الاحتلال التعسفية.

ويأسرك جمال هذا المسجد الذي شكل تحفة معمارية إسلامية جميلة بأقواسه ونوافذه الأندلسية، وأبوابه المزينة بالأعمدة الرخامية المستخلصة من حجارة فلسطين، وبساحاته الخضراء حيث أشجار الزيتون والنخيل.

***حفلات صاخبة ومهرجان خمور

ومنذ عقود تتجدد الحفلات الصاخبة ومهرجانات الخمور المقامة على ارض مسجد بئر السبع، لتضرب سلطات الاحتلال بعرض الحائط كل الأعراف الدولية التي تمنع المساس بالأديان والأماكن الدينية.

ليست المرة الأولى التي تقام الحفلات الصاخبة في مسجد بئر السبع الذي يحرم المسلمين من سماع الاذان فيه منذ الاحتلال، فمثلا وقبل سنوات قليلة أقيم مهرجانا للخمور حين جاء مصنعوها لعرض منتجاتهم أمام رواد المهرجان منتهكين حرمة المكان وقدسيته، وهذه المرة استضاف القائمين على المهرجان مغنين وراقصين ليقدموا عروضاً فنية برعاية بلدية الاحتلال.

امتعض أهالي بئر السبع على ما ترتكبه بلدية الاحتلال من تدنيس للاماكن الدينية، وكتب الصحافي عطوه أبو خرمه عبر صفحته الفيسبوك " هذا حال مسجد بئر السبع الليلة الماضية، 

ممنوع الصمت والسكوت عن هذه المناظر التي تقشعر لها الابدان لمسجدنا الاسير في مدينة بئر السبع (..) ونحمل بلدية بئر السبع كامل المسؤولية عما يجري داخل جدران مسجدنا الأسير".

ويقول "للرسالة نت" إن تكرار تلك المهرجانات تأتي لاستفزاز مشاعر المسلمين في النقب، مضيفا: نقابل تلك الاعتداءات بوقفات احتجاجية لكن لا زلنا بحاجة الى دعم ومساندة أكثر".

ويرى أنه في حال تكاتف الجميع مع أهالي النقب سيحسب الاحتلال ألف حساب لهم ولن يجرؤا على إقامة تلك المهرجانات.

ويشير إلى أن تلك الوقفات الاحتجاجية من شأنها الضغط على بلدية الاحتلال والمؤسسة (الإسرائيلية) لرفع يدها عن المقدسات الإسلامية في النقب، مؤكدا أن الأهالي صامدين في النقب رغم محاولات الهدم والتهجير والاعتقالات المستمرة.

في حين كتب على صفحة الفيسبوك الناشط عقبة العواودة:" هنالك من رقص وغنى ويرقص ويُغني في مسجد من المفترض أنه من أقدس مقدساتنا وله حرمة لا تقل عن حرمة بيوتنا، فهلّا اجتمعنا على كلمة سواء وقلب رجل واحد قبل فوات الأوان وقبل أن يرقصوا على ما تبقى لنا؟”.

وتجدر الإشارة إلى أن مرافق مدينة بئر السبع وشوارعها وحدائقها سميت قبل الاحتلال (الإسرائيلي) بأسماء عربية كحدائق البرتقال، ودوار جمال باشا، وشارع غزة وشارع بسيسو، كما إنها ضمت سكاناً من مدن الخليل والقدس وغزة والمجدل وأسدود والعشائر البدوية التي امتلكت الأرض، وجمعت جميع أطياف الشعب الفلسطيني في مدينة واحدة، وخاصة طبقة الحرفيين والتجار.

البث المباشر