أربك التدهور المتصاعد للأوضاع الأمنية في مدن وقرى الضفة المحتلة، حسابات المنظومة الأمنية لكيان الاحتلال الصهيوني، بعد أن كانت تراهن على ما يسمى بعملية "كاسر الأمواج وجز العشب" للقضاء على تنامي المقاومة المسلحة بالضفة.
ومن الواضح أن دخول أي دورية لجيش الاحتلال في أي مكان بالضفة بات غالي الثمن، ولم يعد نزهة كالسابق، فرصاصات المقاومين تبقى تلاحق الجيش الذي أصبح يجد صعوبة وتهديدا على حياة جنوده عند تنفيذ أي نشاط عسكري بالمناطق الفلسطينية.
وتُعبر عن ذلك مسؤولة الشؤون الفلسطينية في صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية دانا بن شمعون بالقول: "إن حملات الاعتقال السلسة البسيطة التي كانت في السابق لم تعد كذلك اليوم، حيث تعقدت الأمور وتحولت الكثير من عمليات الاعتقال شمال الضفة إلى بالغة الخطورة مع جهود استخبارية وعسكرية كبيرة في ظل إطلاق المطلوبين النار على القوات".
وتضيف بن شمعون، في تقرير للصحيفة العبرية، أنه "لا تكاد تمر ليلة دون اعتقالات، فكل عملية اعتقال معقدة بحد ذاتها، وتنطوي على احتمالية حدوث مضاعفات عند دخول الأراضي الفلسطينية".
وتُبين أن "عمليات الاعتقال تتم في ظل اشتباكات دامية مع قوات الجيش قد تستمر ساعات متواصلة"، لافتة إلى أن "المستهدفين بالاعتقال باتوا يقاتلون حتى آخر قطرة من دمهم، ولا يفضلون تسليم أنفسهم، كما حدث مع إبراهيم النابلسي".
ووصفت بن شمعون ظاهرة المقاومين في نابلس وجنين بـ "المطلوبين الجدد"، قائلة إنهم أصبحوا أكثر خطورة لأنهم "مسلحون ويصعب كسرهم"، ولا ينتمون لأي فصيل فلسطيني بشكل واضح.
قواعد اشتباك
ويؤكد المختص في الشأن الأمني والعسكري، إسلام شهوان، أن المقاومة بالضفة والخلايا المسلحة باتت تعمل وفق قواعد الاشتباك القائمة على الحس والوعي الأمني في ظل المخاطر الأمنية الكبيرة التي تحيط بها.
ويوضح شهوان في حديثه لـ "الرسالة" أنه رغم قساوة الواقع والتحديات الأمنية إلا أن المقاومة تعمل ضمن رؤية مشتركة لفصائل المقاومة، والحالة أحدثت حالة من الزخم الكبير في جنين وقراها وتجلت بصورة ناصعة البياض انتشرت أمس للمقاومين.
ويعتقد أن المقاومين في الضفة يعملون وفق رؤية قائمة على استنزاف جيش الاحتلال وإطالة أمد الاشتباك معه والتنوع في مناطق الاشتباك والقتال والانتقال من مدينة لأخرى، وذلك وفق خطة استراتيجية متدحرجة، وهو ما عكس النجاح الذي حققته جنين ونابلس ورام الله وغيرها.
ويبين شهوان أن صورة مقاومي كتائب القسام في أعلى الجبال والقمم بجنين رسالة بأن المقاومة مستعدة وتعمل وفق رؤية وقراءة لواقع جغرافي وأمني وسياسي وتعمل على تثبيت أركانها في مدن الضفة.
ويرجح أن الأيام القادمة ستشهد عمليات نوعية والتحام تمتد لبقية المدن وتشمل العديد من فصائل المقاومة لتحقيق ضربة مؤلمة للاحتلال.
ويتفق الكاتب والمختص في الشأن (الإسرائيلي) أيمن الرفاتي بأن المنظومة الأمنية لدى الاحتلال لا زالت تعتبر الضفة الساحة الأكبر التي ينطلق منها الفلسطينيون لتنفيذ العمليات الفدائية وجميع الوسائل التي اتخذها الجيش لن تنجح.
ويضيف الرفاتي في حديثه لـ "الرسالة" أن البعد الوطني المتنامي في الضفة واستمرار جرائم الاحتلال ومستوطنيه وتدنيس المقدسات وسرقة الأراضي يشكل دافعا لتصاعد المقاومة وتطوير العمل العسكري بالضفة.
ويؤكد أن هناك جيلا فلسطينيا جديدا في الضفة لم يعد يؤمن بأن طريق التسوية مجد وسلوك السلطة والتنسيق الأمني لا يخدم سوى الاحتلال، مما ولّد لديهم قناعة بأن المقاومة هي الخيار الوحيد.
ويشير الرفاتي إلى أنه بحسب إحصائيات الاحتلال فإن عدد العمليات وإطلاق النار أكبر بكثير من العامين الماضيين وهو ما يشكل ضغطا أمنيا وعسكريا واستنفارا للجيش والخشية من وقوع عمليات كبيرة، مما دفع المستوى العسكري للحديث عن إمكانية الذهاب لعملية عسكرية بالضفة.