يا تلاميذ غزة علمونا .. بعض ما عندكم فنحن نسينا..
علمونا بأن نكون رجالا .. فلدينا الرجال صاروا عجينا..
علمونا كيف الحجارة تغدو .. بين أيدي الأطفال ماسا ثمينا..
كيف تغدو دراجة الطفل لغما .. وشريط الحرير يغدو كمينا..
كيف مصاصة الحليب .. إذا ما اعتقلوها تحولت سكينا.
هذا وصف الشاعر نزار قباني لأطفال غزة، فكيف برجالها وثوارها ونسائها الذين شاركوا كلٌ بطريقتِه في دحر الاحتلال الصهيوني من قطاع غزة قبل 17 عاما..
غزة التي باتت تشكل قاعدة للمقاومة الفلسطينية وبداية التحرير الكامل لفلسطين، قد مرت بانسحابين الأول في مارس عام 1957 والثاني في سبتمبر عام 2005، وما بين الانسحابين كان 48 عاما من النضال والمقاومة، أبرزها محطات الرفض الفلسطيني لفكرة ضم قطاع غزة لمصر في الخمسينيات من القرن الماضي، وحرب 67 التي أعادت احتلال غزة وعمليات الفدائيين في السبعينيات وانتفاضة الحجارة عام 1987 والتي انتهت بإعادة انتشار جزئي للاحتلال وإنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994 والإبقاء على المستوطنات والمواقع العسكرية الصهيونية، والتواجد في المعابر، وبذلك ينطبق المثل الشعبي "وكأنك يا زيد ما غزيت"، وفي التسعينيات كانت مرحلة العمليات الاستشهادية التي أفشلت المؤامرة الكبرى ضد القضية الفلسطينية ومن ثم جاءت انتفاضة الأقصى عام 2000 بعد اقتناع الرئيس ياسر عرفات بأن طريق المفاوضات بات مسدودا وبلا جدوى وطنية .
ومع انطلاق انتفاضة الأقصى كانت أكبر سلسلة عمليات استشهادية وفدائية في معظم مدن فلسطين من جنوبها لشمالها ومن شرقها لغربها أسفر عنها مئات القتلى وآلاف الجرحى والمصابين الصهاينة.
ولكن غزة تميزت بتجهيز وإعداد قوات للمقاومة قدرت بالآلاف، وأيضا عملت على تصنيع سلاحها فكانت قذائف الهاون والصواريخ التي أربكت المستوطنين وقوات الجيش في مستوطنات القطاع، وتطورت المقاومة حتى وصلت لحفر الأنفاق التي وصلت تحت المواقع العسكرية الصهيونية وقتلت وأصابت عددا كبيرا منهم عوضًا عن عمليات اقتحام المستوطنات التي أرعبت الاحتلال بمستوطنيه وجيشه.
وهذا ما اعترف به ارييل شارون رئيس وزراء الاحتلال في حينه عندما قال:" الانسحاب جاء تحت ضغط الوضع الأمني المتردي ومعاناة المستوطنين "، وأيضا قال:" اتخاذ هذه الخطوة أمر خارج عن الإرادة ".
وبالتالي هذا اعتراف واضح من شارون بأن الانسحاب جاء نتيجة ضربات المقاومة وبفعلها، وليس بعد مفاوضات واتفاقيات.
ونجاح المقاومة في دحر الاحتلال عن جزء من أرض الوطن فلسطين، لم يعجب جماعة التفاوض والسلام مع الاحتلال وحاولت ترسيخ أن ما جرى قبل 17 عاما ليس انسحابا ولا تحريرا، ولكنه إعادة انتشار وفرض قواعد جديدة.
وعندما فشلت هذه الرواية قاموا بنسج رواية جديدة بعد نجاح حركة حماس في الانتخابات التشريعية وتقلدها الحكومة الفلسطينية عام 2006، وهي أن حماس تسعى إلى إنشاء إمارة إسلامية في قطاع غزة، وأخيرا وصل الخيال بهم بأن حماس تعمل على تأسيس دولة في غزة وفصلها عن الضفة الغربية.
ولكن حماس والمقاومة أكدت سراب هؤلاء وخيارهم البائس برفضها لصفقة القرن ومحاربتها، وأيضا رفضها لمشروع الضم الاستعماري في الضفة، وبل أنها تعد العدة لتحرير فلسطين.
ولأن المقاومة شكلت من غزة قاعدة انطلاق نحو تحرير بقية فلسطين، فرضت دولة الاحتلال حصارا شاملا على القطاع، وأيضا شنت عليه أربعة حروب مدمرة في أعوام (2008 - 2012- 2014 - 2021)، ولكن الاحتلال فشل في ردع المقاومة وعجز عن فض الحاضنة الشعبية عنها.
وأجمل ما في غزة أنها بعد تحررها قامت بتحرير أكثر من ألف أسير فلسطيني من خلال صفقة وفاء الأحرار التي جاءت بعد خمس سنوات من أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط، ولم تكتفِ بذلك فأسرت أربعة جنود وضباط صهاينة في عام 2014، وهي على طريق تحرير آلاف الأسرى في صفقة مقبلة.
هذه هي غزة التي أجبرت ما يسمى بمراقب الدولة في الكيان الصهيوني على إصدار تقرير يقول فيه:" قرابة 3 مليون مستوطن لا يملكون أماكن محصنة للحماية في حال أُطلقت آلاف الصواريخ علينا ".
وبعد 17 عاما.. غزة هي التحرير الأول وسيلحقها بقية المدن والقرى الفلسطينية حتى نصل للتحرير الكامل لفلسطين كل فلسطين.