لم تكتفِ آلة الحرب "الإسرائيلية" باستهداف المدنيين الفلسطينيين، بل اخترقت القوانين الدولية في أبشع الصور عبر استهدافها للأطفال والنساء بشكل خاص من خلال عمليات القتل والاعتقال، تحت مبررات وحجج واهية، وفي الحقيقية سوى أنهم فلسطينيون يطالبون بحقهم في حياة آمنة على أرضهم التي سُلبت منهم على مدار سنوات طويلة بفعل الإرهاب "الإسرائيلي" المنظم.
وقعت حادثة مقتل الطفل الفلسطيني ريان سليمان، البالغ من العمر 7 سنوات، الذي توقف قلبه جراء إصابته بالهلع والرعب خلال مُلاحقته من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي وهو عائدٌ من مدرسته برفقة زملائه في بلدة تقوع بالضفة الفلسطينية، ما يكشف الوجه الإرهابي للاحتلال، وسياسة ازدواجية المعايير المُتبعة من قبل المجتمع الدولي في التعاطي مع قضايا الفلسطينيين مقارنة بغيرهم، إضافة لصمت المؤسسات الدولية المختصة بشؤون الأطفال إزاء الهجمة العدوانية التي تشن على شعبنا.
المُتابع لقضية الطفل ريان، الذي لم تنجح كافة محاولات إنعاش قلبه، بعد أن أعاق الجنود المدججون بالأسلحة نقله إلى المستشفى، يرى أنه لا يوجد اهتمام من الإعلام الدولي والعالمي كما شاهدنا في قضايا لأطفال من بلدان أخرى، خاصة وأنها تشكل انتهاكًا صارخًا لكافة المواثيق والقوانين الدولية التي تكفل الحماية للأطفال في كل مكان، وأن موقع وطبيعة الحدث يُعد سببًا مهمًا نحو كشف حقيقة ما يجري بحق الفلسطينيين في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر. هذا بحد ذاته يدفع لتساؤل مهم، لماذا لا يريد العالم كشف الوجه الحقيقي لإسرائيل؟ الطفل ريان حقًا قُتل بالهلع لكن دون أن يذكره أحد، خصوصًا في ظل الانتقائية الإعلامية التي مُورست بحقه والألاف من أطفال فلسطين الذين يتعرضون للإرهاب "الإسرائيلي" بشكل يومي.
على سبيل المثال، استوقفني رد الإعلامي د. أنيس المحتسب حين سُئل عن أسباب الاهتمام الملحوظ بقضية الطفل ريان المغربي، قائلًا: هو اهتمام حكومة المغرب في الإسراع في التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، والدليل الدبلوماسية المغربية التي قامت بالإصرار على أن تؤكد إسرائيل موقف المراقب في الاتحاد الأفريقي، وهذا بالطبع مهم لدى "إسرائيل"، من ناحية السوق أو الانضمام للمؤسسات الدولية، إضافة لطبيعة الحدث وموقعه، وتنافس الإعلام في الوصول لسبق صحفي، ومدة وجود الطفل في البئر، وإبراز صراع الطفل مع ذاته أن يبقى حيًا.
مما يدفعنا نسأل أيضًا، لماذا أخذت قضية الطفل المغربي (ريان أورام) بعدًا دوليًا حين وقع في البئر وتم استخراجه ميتًا وكان الإعلام يرصد حالته على مدار الساعة، ولماذا اهتز العالم من الصورة المشهورة للطفل السوري (إيلان الكردي) الذي توفي أثناء محاولة العبور من تركيا إلى اليونان، والطفل (عمران دقنيش) حين كان وجهه ملطخ بالدم في الصورة عام 2016م وتعرض للصدمة علمًا بأن صحيفة نيويورك تايمز أطلقت عليها رمزًا للمعاناة في مدينة حلب السورية!!
وفي الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال اعتقال الأطفال الفلسطينيين، لم تخجل الخارجية الأمريكية ومعها المجتمع الدولي وهم يقولون نحن نؤيد فتح تحقيق فوري وشامل إلى جانب التحقيق الإسرائيلي، في إشارة إلى تبرئة القاتل أمام العالم وهو الاحتلال الإسرائيلي. لقد أفادت تقارير بأن حصيلة الشهداء من الأطفال منذ استشهاد الطفل الدرة مطلع الانتفاضة الثانية عام 2000 قد بلغت 2230 شهيدًا، وفي ذات العام أيضًا اعتقل قرابة 19 ألف طفل حتى نهاية آذار الماضي، كما أنه منذ العام 2015م، تم اتخاذ مجموعة من القوانين والقرارات التي تهدف إلى توسيع اعتقال الأطفال وتغليظ العقوبة والأحكام الجائرة بحقهم وتشديد الإجراءات التعسفية ضدهم، وأنه منذ اندلاع هبة القدس في العام ذاته تم اعتقال نحو 9000 طفل فلسطيني، حيث ذكر باحثون أن الاحتلال اعتقل منذ العام 1967م ما يزيد عن (50.000) طفل فلسطيني، مشيرًا إلى أنه منذ مطلع عام 2022م تم اعتقال قرابة 500 طفل فلسطيني غالبيتهم من مدينة القدس ويحتجز في سجونه نحو 172 طفلًا، فيما اعتقل خلال 2021م نحو 1300 طفل وطفلة وهذا يشكل زيادة تصل إلى قرابة 140% عما سُجل خلال العام الذي سبقه2020م.رغم إقرار اليوم العالمي لضحايا العدوان من الأطفال الأبرياء بهدف الاعتراف بمعاناتهم، ووجود الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ومنها اتفاقية حقوق الطفل، نجد أن العنصرية الإسرائيلية تتغول بحق أطفالنا وهذا له عدة رسائل: أن كل الشعب الفلسطيني مستهدف وفي مقدمتهم الأطفال والنساء، وأن إسرائيل تضرب القوانين الدولية بعرض الحائط، وأن الصمت الدولي يشرعن ممارسات إسرائيل، كما أن غياب المحاسبة والإفلات من العقاب يجعلها ترتكب المزيد من الجرائم الإنسانية.
لذلك الطفل ريان لم يسلم من الإرهاب "الإسرائيلي"، وهذا يستدعي تحرك المؤسسات الدولية والأمم المتحدة بأن تقف أمام مسؤولياتها، وأن تكشف للرأي العام الدولي عن الإجرام الذي يتعرض له أطفال فلسطين، والعمل على تشكيل رسالة طفولية دولية تدعم صوت أطفال فلسطين، وهنا تقع مسؤولية على عاتق الدبلوماسية الفلسطينية في أن تأخذ مساحة أكبر في إبراز عدالة قضيتنا ومعاناة أطفالنا أمام العالم، من أجل كسب التأييد الدولي والحث على تطبيق مبدأ المحاسبة والمساءلة في إطار القوانين الدولية.