بإجماع الكثيرين، يحتل الدوري الإنكليزي "البريميرليج" المركز الأول بين كل دوريات العالم من حيث القوة والإثارة والجماهيرية والاهتمام الإعلامي، بالتالي هو الدوري الأغنى وأنديته هي الأكثر جنياً للأرباح سنوياً، وبفارق كبير عن بقية الدوريات، تخيلوا بأن أصحاب المراكز المتأخرة يحصلون على أموال تساوي أو تزيد عما يحصله الفائزين في الليجا الإسبانية أو الكالتشيو الإيطالي مثلاً، هذا ما يساعد الأندية على أن تكون أقوى، ويجعل من المنافسة أصعب وبالتالي متعة وإثارة أكبر.. تماماً مثل دورينا!
مؤلم جداً ما حصل خلال الجولة الرابعة في البريميرليج الغزاوي، يبدو بأننا نسينا الحقيقة وعشنا في الخيال، نسينا بأن دورينا دوري هواة، لا يحصل فيه الفائز على جوائز مالية قيمة، ولا حتى فرصة للمشاركات القارية وتمثيل فلسطين في البطولات الآسيوية، ولا يحصل لاعبوه على رواتب عظيمة تغطي لهم أعباء الحياة ومتطلباتها، بل إن صفحات التواصل الاجتماعي باتت مليئة بمنشورات اللاعبين الذي يطالبون أنديتهم بالحصول على حقوقهم التي هي بالكاد تسد الرمق، هذا يستنجد وذاك يستجدي وثالث يناشد والآخر يهدد.. ولا حياة لمن تنادي!
نسينا بأن منظومتنا الكروية بالكامل لا يجب أن تتجاوز مرحلة التسلية، فمع غياب كل عوامل المنافسة الحقيقية وقيمتها وغياب حقوق الأغلبية في هذه المنظومة مادياً ومعنوياً، يجب أن ننزل من السماء ونعود إلى الأرض ونتذكر الحقيقة، أن نعيد الفهم بأن هؤلاء الشباب الراكضين خلف الكرة في ملاعبنا ليسوا محترفين، فمنهم النجار والحداد وسائق التاكسي والتوكتوك والمهندس والمحاسب والموظف العسكري والمدني وكل ما تتوقع من مهن لا علاقة لها بكرة القدم، في غالبيتهم العظمى يلعبون من أجل التسلية ونسبة قليلة منهم فقط من يحصل على راتب من كرة القدم يؤمن له حياة كريمة .. قليلة جداً جداً!
مع هذا الواقع "الواقع"، لم يعد منطقياً أو مبرراً أن نشاهد ما يحصل في دورينا من أسبوع لآخر من مشادات وهتاف معادي وشتائم وضرب وتكسير وكل ما يخطر على بالك من أعمال الشغب التي لا تمت بصلة إلى الروح الرياضية، كل مبارياتنا ومنافساتنا لا قيمة لها عندما نضعها في كفة المقارنة مع شرف أم أو أخت أو بنت أو زوجة أحد اللاعبين أو المدربين أو الإداريين، لا تساوي جناح بعوضة أمام وزر الاعتداء اللفظي والجسدي على الآخرين، عشان ايش؟! عشان دوري المباراة بتتأجل فيه قبل ساعتين من موعدها بسبب حدث آخر مخطط له ومعلن عنه قبل أيام؟! عشان دوري ملعب المباراة فيه بيتغير في اليوم مرتين؟! كيف لو كان عندنا جوائز مالية تساوي 1% فقط من الدوري الإنكليزي .. فقط 1% .. بلا وكسة!
أفهم تماماً أهمية كرة القدم كمتنفس للشعوب، وتحديداً لشعب كشعبنا الفلسطيني بشكل عام وفي غزة بشكل خاص مع كل الضغوط الحياتية والسياسية والاقتصادية التي نعيشها، لكن من غير المقبول أن يتحول هذا المتنفس إلى مصدر فتنة إضافي فوق كل أنواع الفتن التي نحياها، فإذا استمرت الأمور بهذه الطريقة.. بلا منها!
مقال هذا الأسبوع مختصر ويكتب بمزاج متعكر بسبب ما نشاهده، النقطة المضيئة ربما والتي تستحق الإشادة والتقدير ليست في الدرجة الممتازة، بل هناك في الدرجة الأولى حيث يعمل أحدهم في صمت شديد، بتواضع وهدوء وأخلاق عالية معهودة، بإمكانيات بسيطة ينجح في تحويل فريق بالكاد أمن بقاءه الموسم الماضي إلى متصدر في هذا الموسم، والحديث هنا عن خدمات البريج وربان سفينته الجميل سامي سالم.. تعظيم سلام يا محترم!.