الرسالة نت - لميس الهمص
في الثامن والعشرين من عام 2008 م ثاني أيام الحرب على غزة، وبينما كانت طائرات الاستطلاع تغطي سماء القطاع ، استقل احمد سيارة جيب ليواصل مهامه كمتطوع في الشرطة، إشارة تحذير وصلت لأحمد ورفيقه بضرورة إخلاء جميع الجيبات لإمكانية تعرضها للخطر، بخطوات حذرة هما بالنزول إلا أن صاروخا احتلاليا كان أسرع لوضع حد لحياة زميله وإصابته بإصابات بالغة.
الشهيد الحي
يعود الجريح أحمد طافش بذاكرته ويقول :" مثل هذه الأيام كنت فاقدا للوعي بالعناية المركزة ، كلما اتذكر ما جرى أشعر بالحزن إلا أني أفضل من كثيرين غيري والحمد لله "
ويتابع: لحظات بسيطة حتى تجمهر الناس لإنقاذ الجرحى إلى أن طائرة الاستطلاع باغتتهم بصاروخ آخر لم يبق ولم يذر، بعدها انقشع الغبار وانكشف المستور ... أكوام من اللحم تناثرت وتجمعت فوق بعضها البعض .
يتحدث طافش عن لحظات عصيبة عاشها بعد القصف عندما حاول فتح باب السيارة للخروج إلا أن الصاروخ الثاني أفقده القدرة على الحركة وأصابه بحروق وكسور في قدميه ليحسبه الجميع شهيدا .
أحمد لم يكن قد فقد بصره بعد حتى وصوله للمستشفى وكان يشعر بما يدور حوله إلا انه غير قادر على التحدث أو حتى رفع يده ليشعر من حوله أنه لازال على قيد الحياة ، كان الجميع يقول أنه مات هو ورفيقه .
شعوره بالاختناق بسبب قطع حنجرته كان كفيلا ليشعر الأطباء أنه لازال حيا ، صمت برهة ثم قال :" أعطاني الأطباء أبرة عندها لم أستيقظ إلا بعد أربعة أشهر ".
وتشير الإحصائيات أن الحرب "الإسرائيلية" خلفت 600 إعاقة جسدية منها 113 حالة بتر للأطراف علوية وسفلية 60% منها في شمال القطاع.
وأوضحت إصابة الكثير من الأطفال دون سن "18" بحروق كبيرة بسبب القنابل الفسفورية.
فيما ذكر أطباء فرنسيون أن قطاع غزة يضم أكثر عدد من جرحى الأعصاب الطرفية، والتي تسببت بها آلة الدمار “الإسرائيلية” بهجماتها المتكررة على الشعب الفلسطيني كما هو الحال في غزة.
وأضافوا أن العدوان “الإسرائيلي” على غزة أظهر حالات دقيقة وحرجة لم يكن الطبيب قد عالجها من قبل وتم نقل عدد من الحالات لعدم إمكانية علاجها داخل القطاع.
عمليات متتالية
خيم الحزن على منزل طافش الذي اتشح بالسواد كونه لم يمض على استشهاد شقيقة الأكبر سوى بضعة أشهر لم تكن كافية لتنسي الأم الثكلى آلامها فتقول بصوت أصابته البحة من شدة البكاء :"تكبدت الفقر والصعاب لتربية أبنائي الأيتام وعندما استشهد ولدي معتز تجرعت حسرته ولم انس حزني حتى أصيب أحمد.
خرج احمد للعلاج في مصر كأول جريح يغادر القطاع وخضع فيها ل 22 عملية جراحية في جميع أنحاء جسده منها عمليات في الحنجرة وزراعة أذن وأسنان وعمليات تجميل في الوجه فقد معها نصف وزنه .
ويشير أحمد إلى أنه أصر على خوض عمليات استمرت لأكثر من اثنتي عشرة ساعة وكانت نسبة النجاح فيها لا تتعدى 30 % خصوصا بعدما سمع من أحد الأطفال أن شكله بات مخيفا.
والدة أحمد كانت كثيرا ما تضع صورته أمامها وتدعو أن يعود كما كان ببصره وقد ذهبت آثار الحروق عن جسده وتستدرك الأم بألم والدموع خطت طريقا لها على خديها :كثيرا ماكنت أشعل نور الغرفة له عند دخوله فيقول لي ما الفائدة لم أعد أرى.
بعد أن عاد أحمد من مصر التي قضى فيها أكثر من عام حاول ممارسة حياته مع فقد بصره فتزوج متحديا كل الظروف والصعاب ليسميه رئيس الوزراء هنيه جريح الفرقان .
الأمل لا زال يلوح أمام أحمد باستعادة الابصار بعين واحدة فقد أظهرت فحوصات خضع لها أن إحدى عينيه لازالت تحوي شحنة كهربائية يمكن معالجتها كونها لم تفقد الإحساس بعد .
ويطالب أحمد وذووه مساعدته في تكاليف السفر للخارج لتعود الفرحة للأسرة بعد حزن دام طويلا.
وتتمنى زوجة أحمد أن يوظف زوجها ليستطيع تسير أمور حياته ، لاسيما بعدما أمر رئيس الوزراء بتوظيفه في وزارة الشؤون الاجتماعية إلا أن ذلك لم يحدث حتى اللحظة .
فيما كشف بحث متخصص أشرف عليه أكاديميون من عدد من الجامعات الأوروبية عن وجود بقايا معادن سامة ومسرطنة في أنسجة جرحى فلسطينيين، ممن أصيبوا خلال الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة خلال عامي 2006 و2009.
كما أن الحرب الإسرائيلية على غزة في نهاية عام 2008 أسفرت عن سقوط 1400 شهيد، وإصابة ونحو 500 ألاف جريح معظمهم من الشيوخ والنساء والأطفال.