هناك نتائج كثيرة لم يكن الاحتلال قد أخذها في الحسبان حينما قرر محاصرة غزة، ثم خلال كل أعوام الحصار كان يحاصر الضفة الغربية تدريجيا، بالاستيطان والاعتقال والحواجز، ولعل أهم الرسائل هو أن هذه الوسيلة لا يمكنها أن تكون مجدية مع الفلسطيني بالذات، التجربة تقول ذلك ببساطة.
منذ 4 أيام وشعفاط محاصرة من قبل الاحتلال (الإسرائيلي) بسبب عملية مقاومة على الحاجز قام بها واحد من أبناء المخيم أدت إلى مقتل مجندين وإصابة ثالث.
ولأن شعفاط مثل غزة، مدينة لا تخضع لمحاصر فهي اليوم تحاصر حصارها بنفسها، لأن الأوضاع ببساطة هناك وصلت إلى الذروة، فالحي والمخيم الذي من المفترض أن يكون تحت إدارة الاحتلال يخضع لسياسات بلدية القدس والتي خنقت الحي المقدسيّ ومخيّمه، وأصبحوا يعيشون في ظروف قاسية وجدار عازل وحواجز خانقة وضرائب باهظة وبنية تحتية شبه معدومة وحرمان شامل من الخدمات.
منعت الحياة منذ زمن طويل في شعفاط ومنع البناء والتمدد وفرضت عقد وذرائع واهية على إعطاء رخص البناء، وإذا بنى المقدسي بدون ترخيص فإن بيته يهدم فورا، هذا غير الحياة المهددة بالقتل والاعتقال المتواصل، بسبب وبدون سبب، ومنع الأهالي من الوصول إلى الأقصى، هذا يعني أن المقدسيون في شعفاط يعيشون حياة لا تشبه الحياة.
ولأن صبر الفلسطيني لا يطول فقد أعلن أهالي شعفاط بالأمس العصيان المدني اعتباراً من الليلة رفضاً للحصار الإسرائيلي للمخيم، وقد قرر الأهالي عدم التعامل مع الاحتلال بأية وسيلة حتى يتم رفع الحصار عن المخيم وعودة الأمور إلى ما قبل يوم السبت.
وأكدوا أنه لن يكون هناك خروج لأي عامل خارج حدود المخيم ، حيث يوجد هناك 30 ألف عامل يعملون في قطاعات مختلفة بالداخل المحتل.
يقول الدكتور أسامة الأشقر في مقال له تعليقا على ما يحدث الآن داخل المخيم:" في شعفاط ومخيمها نفَسٌ قتاليّ قديم توارثوه عن أجدادهم، وهم أهل شغف بالنضال، وخبرة في الصدام، وتميز في طول النفَس، ومهارة ساخرة في استدراج العدو ومغافلته.
ويتابع:"لو استمعتم إلى قصصهم في استنزاف مشروع القطار الاستيطاني الخفيف وتدمير مواقفه ومحطاته ومنع مروره لأشهر، وحكاياتهم الطولية مع جنود حاجز شعفاط الشهير، والمعلّقات التي سطّرها الأسرى منهم لكتبتم مجلدات في مرويّاتهم، ولصنعتم مشاهد عظيمة لسينما عالمية تصرف نظرها عنهم عمداً.
ويضيف الأشقر:" شعفاط اليوم - كما كانت من قبل- شوكة فولاذية حادة ملتوية مدببة الأسنان تعرف كيف تغرز أشواكها الناريّة في عيون المحتلين وأعوانهم، وكلما أطلّ مستوطن من نافذة مستوطنته فإنه سيرى شعفاط ومخيمها ناراً تتوقّد في عينيه الخائفتين.
الناشط والمحلل المقدسي ناصر الهدمي علق على أسلوب الحصار الذي يستخدمه الاحتلال سواء في غزة أو في شعفاط أو في جنين بوصفه بالأسلوب الغبي الذي يمارسه دون تفكير أو تخطيط.
وبين أن ما يجري خرق للقانون الدولي وتشويه لصورة الاحتلال أكثر ومنع الناس من عباداتهم وحركتهم وحياتهم الطبيعية هو دليل على فشله وعدم احترامه للقوانين الإنسانية.
ويرى الهدمي أن الاحتلال يتخبط ويعيش مجموعة من التناقضات والافلاس في طريقة تعامله وهو يعلم تماما أن كل ما حاول بناءه من خمس وسبعين عام يهدم، خاصة حينما دخل فلسطيني الداخل على الصورة وبدأوا يطالبون بحقوقهم الوطنية وليست الحقوق الحياتية فقط وهذا ما يطلبه الفلسطيني في القدس والضفة وجنين.
ويؤكد الهدمي أن الشعب الفلسطيني حينما يحاصر يزداد قوة، ويزداد معرفة ويقينا بأن الهدف الوطني أهم لأن المقدسي ينظر للاحتلال على أنه احتلال وليس حكومة تحكمه.
ويتطرق إلى حصار غزة لافتا إلى أنه أظهر لأي مدى اخترق الاحتلال القانون الدولي، ومن جهة أخرى فإن الحصار أظهر قدرة الشعب الفلسطيني على التماسك والوقوف وأثبت أن قضية فلسطين ليست محدودة في فلسطين وإنما هناك شعوب عربية مستعدة للدفاع والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني.
وبالعودة إلى القدس فإن الحالة الثورية مركزة منذ عام 2017، وكلما تعدى الاحتلال على المقدسات خطوة أعاده أهل مدينة القدس خمس خطوات إلى الوراء، وببساطة هذا شعب واعي لا يمكن محاصرته ولا هزيمته، هو فقط يحتاج إلى قيادة تخطط لبناء حالة ثورية ممتدة، كما يقول الهدمي.