24 ساعة من زخم الأحداث المتسارعة، في عدة مدن وقرى بمحافظات الضفة الغربية المحتلة، اختلط فيها المشهد ما بين بطولات وتضحيات في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وانتهاكات وتصرفات مخزية لأجهزة أمن السلطة الفلسطينية.
أربعةٍ شهداء ارتقوا برصاص قوات الاحتلال مع مواصلة المواجهات بالضفة، في حين جدَّد رئيس السلطة محمود عباس تهديداته الجوفاء وتصريحاته الفارغة، في كلمة له أمام القمة السادسة "لمؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا" (سيكا)، المنعقد في كازاخستان، بقوله "سنراجع مجمل العلاقات مع إسرائيل"، ومطالباً إياها بـ"الاعتذار عن المجازر" التي ترتكبها بشكل يوميّ بحق الفلسطينيين.
وفي كل مرة تهدّد فيها قيادة السلطة بوقف التنسيق الأمني أو قطع العلاقة مع (إسرائيل)، تنشط أجهزتها الأمنية، على عكس المتوقع، فتزداد وتيرة الاعتقالات السياسية، ويكشر عناصرها عن أنيابهم في مواجهة الفعاليات الشعبية المناهضة للاحتلال.
ولم يكد حبر اتفاقية لم الشمل من أجل المصالحة الفلسطينية الموقعة في الجزائر يجف، حتى حملت عناصر أجهزة السلطة هراواتها، ولبست أقنعتها لتخفي العار البادي على وجوههم، وباشرت بإطلاق النار والغاز الخانق باتجاه مئات المتظاهرين الذين خرجوا في مدينة الخليل نصرة للقدس والأقصى وللتعبير عن غضبهم لحرق المصحف الشريف.
استفزت قيادة وأجهزة السلطة حين رأت الجماهير ترفع راية حركة حماس، وحاولت إقناعهم بالتخلي عنها، قبل أن تمارس القمع بالقوة وتعتقل عددا من المتظاهرين، ما يطرح تساؤلا بالخط العريض حول جدوى اتفاقات المصالحة إن لم تترجم على أرض الواقع؟
موضوع الاستفزاز يعيد إلى الأذهان تصريح نائب رئيس حركة "فتح" محمود العالول حين كان يصرخ: لا تستفزوا فتح لأنها إذا تعرضت للاستفزاز فلن ترحم أحدًا، لكن الأحد هذا لم يكن في أي مرة (الاحتلال الصهيوني)، فهو لا يستفز قيادة فتح ولا قيادة السلطة التي تريد أن تصنع سلاما معه ولو على حساب قضيتنا ودماء شعبنا.
لم تستفز قيادة فتح والسلطة من الجرائم الصهيونية المتتالية التي لا تتوقف، في القدس والضفة، وأسفرت منذ مطلع العام الجاري، عن ارتقاء 162 شهيدا، لكنها تستفز من راية خضراء!
ولم تصل ذروة الاقتحامات الصهيونية للمسجد الأقصى المبارك والاعتداء الوحشي على المقدسيين وحصار مخيم شعفاط، إلى درجة يمكن أن تستفز قيادة فتح والسلطة، لكنها تستفز من راية!
ولم تستفز قيادة فتح والسلطة من تصريحات محافظهم في نابلس إبراهيم رمضان التي تطاول فيها على أمهات الشهداء والمقاومين بأبشع وصف لا يمكن أن يتردد إلى على ألسنة الشاذين والزناة.
الواقع أن هناك انفصال بين قيادة السلطة وحركة فتح، والقاعدة الشعبية للأخيرة، وانعكس ذلك في تمرد عشرات من أبناء الحركة على قراراتها السياسية الهزيلة، وانخراطهم في المقاومة المسلحة والشعبية، رغم أنف الأجهزة الأمنية التي تحاول وأد الثورة المتدحرجة بكل السبل والأساليب الرخيصة.
فإذا كانت قيادة فتح والسلطة منشغلة بالاستفزاز من راية، فإن حالة الاستفزاز لدى الشرفاء في الأجهزة الأمنية والشرفاء في حركة فتح، وصلت حدا يدفعهم لحرق الأرض تحت أقدام المحتلين وأعوانهم، جنبا إلى جنب مع أبناء شعبهم الذين يتقاسمون معهم الوجع والألم والتضحية.