متين ضبايا.. حين يكون الاسم على مسمى

الرسالة نت-رشا فرحات

اسمه "متين" وكأن من أطلق عليه الاسم كان يتنبأ بما سيكون عليه هذا المشتبك الذي غادرنا بالأمس مقبلا غير مدبر، يقف خلف الجدران ويطلق الرصاص على الجنود من مسافة صفر وهو ابن العشرين.

استشهد متين وهو في العمر الذي يحلم فيه الشباب حول العالم بسيارة جديدة، أو بقبول في إحدى الجامعات، أو قضاء عطلة خريفية مع رفاقه على أحد الشواطئ، لكن ابن جنين أحلامه تختلف.

لقد كانت جريمة، كالجرائم السابقة التي ارتكبها الاحتلال في مخيم جنين، في ظل هذا الصمت المخيم على العالم الأصم، جريمة تمارس على جنين منذ بداية العام، دخلت وأغلقت كل المداخل إلى المخيم، واقتحمت أسطح المنازل، ودخل باشتباكات مسلحة برفقة مواطنين يدافعون عن حقهم في البقاء والحياة والأمن.

ولكن الطواقم الطبية تأخرت كثيرا، لأن الاقتحامات وصلت إلى المستشفيات والطواقم الطبية، ليدخل الجميع في اشتباك هو الأكبر، وخرجوا بثلاثة شهداء أولهم متين ضبايا.

لقد شارك متين في التصدي لقوات الاحتلال مع رفاقه من مقاتلي المخيم، أطلقوا الرصاص بكثافة صوب القوة المقتحمة، وتمكن المقاومون من تفجير عبوة ناسفة في آلية لجيش الاحتلال وإعطابها.

جن جنون قوات الاحتلال ومنعت الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف من التحرك وانتشال الجرحى، 3 شهداء من جنين، طبيب وشاب وأسير جريح، ورابع من رام الله، وعدد آخر من المواطنين أصيبوا خلال مواجهات وقمع فعاليات ومسيرات واعتداءات، فيما اعتقل الاحتلال 10 مواطنين بينهم أسيران محرران.

والدة متين ثبتت أمام جثمانه ووجهه المغطى وقالت: "كان ابني يردد دوما، لا أريد أن أموت هكذا، كان يرى الموت العادي مخجلا، كان يتمنى أن يموت شهيدا، ولأنه تمنى ذلك أنا سعيدة لأجله وقد استشهد مع أصحابه، إخوته الذين تمنى الموت إلى جانبهم".

ودعت أم متين ابنها وهمست في أذنه: "يا ريتها مبروكة عليك يمه" كما تفعل كل أمهات الشهداء، اللواتي يعتقد البعض أنهن يرسلن أبناءهن إلى الانتحار، ظاهر الموت واحد، ولكن الفرق بين الانتحار والشهادة لا يعرفه إلا من يملك في قلبه اليقين الكافي للمعرفة.

يقول شقيق الشهيد: "متين من أبسط شباب المخيم، كان صديقه عبد الله الحصري وداوود الزبيدي، وقد استشهدا قبله، كان لاستشهادهما أكبر الأثر، والدافع الأكبر ليثبت في مقاومته، لقد كان أول من وصل الى المخيم حينما سمع باقتحام مدرعات الاحتلال، واشتبك وكان في المقدمة"

وقد زُف متين في جنازة مهيبة مع ثلاثة غيره استشهدوا وهم يقاومون وهتف السائرون في جنازته " نحن جندك يا محمد، فليعد للأقصى عزه، نحن جيشك يا محمد، جبنالك كمان شهيد".

وحضر جنازة الشهيد قادة كثر، ليحتسبوه ورفاقه عند الله تعالى، منهم والد الشهداء رعد وعبد الرحمن خازم الذي قال: "نحتسبهم عند الله شهداء، ونحن على هذا الدرب سائرون، وعاشت فلسطين حرة عربية مسلمة إلى يوم الدين، وعلى أيدي هؤلاء المجاهدين، ونحتسب شهداءنا عند الله وكفى".

كان متين رافضا لكل أشكال الترف التي يبحث عنها الشباب في عمره، لم يكن ينام في بيته، يأتي ليزور أمه التي تشتاق كأي أم لتزويجه، ولكنه كان يقول: "لا تغلبي حالك يمه، أنا بديش أتجوز، أنا بدي استشهد".

وقد تقدم جنازة متين ورفاقه أعضاء كتيبة عرين الأسود ووالده الذي حمل سلاح ابنه، وكأن كل شهيد يسلم والده من بعده الراية، وهكذا تظل الرايات تدور من شهيد اليوم إلى شهيد الغد لتبقى جنين حرة مقاومة للأبد.

وقد زفت كتيبة جنين في كتائب سرايا القدس شهيدها متين ضبايا وقالت إنه أحد مؤسسي كتيبة جنين برفقة الشهداء القادة ممن سبقوه.

البث المباشر