لم يكن يعرف أطفال مجاهد داوود ما الذي يحدث حولهم، حينما نصبت خشبة في منتصف البيت، وفُرد فوقها غطاء سميك والتفت نساء العائلة ينتظرن أن يسجى الجسد. كان الأطفال ينظرون إلى والدهم الممدد وفي رؤوسهم آلاف الأسئلة التي لا يمكن لعقلوهم الصغيرة أن تستوعب أجوبتها: لماذا يذهب والدهم إلى عمله ليجلب لهم لقمة العيش لكنه يعود مخضبا بالدماء؟!
"ماذا سأقول للصغير الذي يذهب كل مساء راكضا نحو الباب لاستقبال والده وهو عائد من عمله" هكذا قالت الزوجة وهي تشير إلى أصغر الأبناء الذي لم يتجاوز العام والنصف، ثم هكذا ودعت الزوجة والأب والأم والأبناء الصغار مجاهد المغطى بالعلم، ورفعوه وهم يتزاحمون، وهو ملفوف أمام أطفاله المحدقين نحوه بصمت، وحده ابنه الأكبر إبراهيم، كان يقدر ويفهم ويستوعب ما حدث.
سارت جنازة الشهيد مجاهد داوود بالأمس تهتف: الله وأكبر، ويقود الهتاف بكاء إبراهيم الصغير بصوته الذي يحرق القلوب، كبر الطفل الذي لم يتجاوز العشر سنوات، وهو يسير في جنازة والده في قرية حارس قضاء سلفيت.
إبراهيم أكبر الأبناء، حمله أعمامه فوق أكتافهم، وتلفح بالعلم الفلسطيني، وأخذ ينادي: "رددوا، الله أكبر، الله أكبر، يا شهيد ارتاح ارتاح" وكان صوته يرتجف، ودموع الفقد تُذرف على الخد، والكل يطلب من الطفل الصغير بأن يكبر فجأة ليحمل إرث والد شهيد على أكتافه، ويبني في الذاكرة صورة لوالده منحوتة من الباطون ليعرف عدوه معرفة جيدة.
قُتل مجاهد داوود الذي يبلغ ثلاثين عاما، وهو أب لأربعة أطفال خامسهم سيأتي بعد ثلاثة شهور. تقول زوجته: "كان يعمل بالبناء، ولا زالت ملابسه ملطخة بالباطون، كان قد وعدني أن يأتي بحليب لطفله وهو عائد".
أصيب داود برصاصتين في الجزء العلوي من جسده، أطلقها جنود الاحتلال نهار السبت، خلال اعتدائهم على مواطني قراوة بني حسان شمال غرب سلفيت.
ارتقاء الفتى عادل ابراهيم داود بعد إصابته برصاصة "إسرائيلية" بالرأس جنوب مدينة قلقيلية.
Posted by فلسطين on Friday, October 7, 2022
هبّ الأهالي على نبأ اقتحام الاحتلال للبلدة، للاستيلاء على آلية بحجة أنها كانت تعمل في منطقة مصنفة "ج"، وانتفض الموجودون هناك دفاعاً عن حق إنساني يريد الاحتلال سرقته أمام أعينهم، أثناء حفر أساسات منزل وطرق زراعية، كان يعمل فيها الشهيد مجاهد.
ثم إن القتل أيضا لدى الاحتلال يزداد، في مواسم الحصاد في القرى الزراعية، هذا لأن المستوطنين يحرقهم مشهد حصاد الزيتون، ولأنهم تعودوا القتل فإنهم يستهدفون الذاهبين إلى الحصاد، وقد كان مجاهد يعمل في أحد المباني القريبة من أراضي المزارعين في قراوة القريبة من بلدته، فكانت شاهدة على الجريمة التي أنهت حياة عائلة كاملة.
يوغل المحتل في دماء الأبرياء لأنه يراه ضروريا في هذه الأيام بالذات، سعياً لتحقيق انتصارات مزيفة، وهو يمارس "ساديته المرشحة لانتخابات الكنيست".
عبد الله كميل محافظ سلفيت علق على عملية القتل التي اقترفها المستوطنون: "واضح أن انتخابات الكنيست تستخدم الدم الفلسطيني لعمل دعاية انتخابية للمرشحين، وما حدث في سلفيت هو أكبر دليل، عملية قتل ممنهجة لأناس تجمهروا لإسعاف حالات إغماء بسبب القنابل المسيلة للدموع، والجنود أطلقوا النار على المسعفين ما أدى لإصابة خمسة أشخاص دفعة واحدة واستشهاد مجاهد بالإضافة إلى حالتين خطيرتين حتى الآن".
هذه جريمة تضاف إلى كم الجرائم التي يمارس الاحتلال منذ بداية العام على بلدات الضفة الغربية، جرائم مستوطنين يريدون الاستيلاء على أراضي سلفيت وانتهاكها وقتل أهلها بحماية من الجيش (الإسرائيلي).
باستشهاد الشاب داوود، يرتفع عدد الشهداء منذ بداية العام الحالي إلى 171 شهيدا، بينهم 18 فلسطينيا منذ بداية شهر أكتوبر الجاري فقط.