قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: جدلية المقاومة والحكم في ذكرى صفقة وفاء الاحرار

رامي الشقرة، رئيس معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية
رامي الشقرة، رئيس معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية

بقلم: رامي الشقرة

لم يكن يوماً عادياً في الذاكرة الفلسطينية، حيث كانت الأنظار تترقب ما الذي ستفعله المقاومة الفلسطينية في حال فوزها في الانتخابات الثانية للمجلس التشريعي الفلسطيني من عام 2006، وكيف لها أن تجمع بين المقاومة كحركة تحرر وطني وادارتها لمنظومة حكم تدير شأن الفلسطينيين في مناطق نفوذ السلطة، ولما لذلك من استحقاق ، وقد قدمت في حينه قائمة كتلة التغيير والإصلاح برنامجها على قاعدتين أساسيتين، أولهما إيقاف نزيف الفساد الذي ينخر في جسد السلطة، والثاني وهو الأعلى أهمية هو حماية مشروع المقاومة الفلسطينية من الاستهداف الذي تتعرض له من قبل أعداء الشعب الفلسطيني، وربما بإسناد أو ضعف من بعض الفلسطينيين في قيادة المؤسسة الرسمية الفلسطينية.

في حوار جمع بين أحد مرشحي كتلة حماس البرلمانية الدكتور يونس الأسطل مع كادر من اليسار الفلسطيني وأحد نشطاء الانتفاضة الفلسطينية، فطرح سؤالاً على الدكتور يونس الاسطل أحد مرشحي كتلة التغيير والإصلاح قائمة لحركة المقاومة الإسلامية حماس كيف يمكن لحماس أن تجمع بين المقاومة والحكم؟ كيف يمكن أن تطلق سراح الاسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال؟، فكان رده أن الإجابة على ذلك السؤال يتضح من مسار الفعل الذي ستمارسه حماس في الحكم وأنك ستحكم عليها من خلال الخطوات العملية التي وعدنا الناس بها بما فيها الحفاظ على المقاومة ودعمها بكل اشكال الاسناد وقد قال في صورة تشبيهية بحركات اليد وقبضتها عندما نضع جندي أسير في قبضة المقاومة الفلسطينية ستعلم ماذا تعني الحكومة للمقاومة، وسنري شعبنا ونفهم الاخرين كيف يمكننا الجمع بينهما وكيف يمكن أن نكون سنداً وعوناً وحصناً منيعاً لشعبنا عموماً ولأسرانا الابطال، وبيننا وبين الجمهور الفلسطيني أربع سنوات كفيلة بمعرفة الحقيقة من الادعاء، وانتهى الحوار بدون أن يقتنع طارح السؤال بالإجابة.

وفي صباح الخامس والعشرين من حزيران من عام 2006، أي بعد الانتخابات التشريعية بأقل من ستة أشهر معدودات، أقدمت فصائل من المقاومة الفلسطينية  وعلى رأسها كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس بعملية الوهم المتبدد، الذي نتج عنه أسر جندي للاحتلال الإسرائيلي، لتدخل المقاومة الفلسطينية وحكومتها اختباراً حقيقياً لادعائها الجمع بين المقاومة والحكم، وتعرضت الحكومة لحصار خانق من الصديق قبل العدو، ودخلت إلى معترك صعب من التحديات الجسام، والتهديد العالي لكل مقدرات الشعب الفلسطيني داخل نفوذ وسيطرة السلطة.

حالة الصمود التي أظهرها الشعب الفلسطيني وخصوصاً شعبنا الصابر المرابط في قطاع غزة، وحجم التبني العالي لخيارات المقاومة في ظل هجمات الاحتلال المستمرة، وضعت المقاومة الفلسطينية وقيادتها أمام حالة من التشبث بضرورة انجاز ما يليق بهذا الصمود.

في ظلال خمس سنوات استطاعت كتائب القسام ووحداتها السرية الحفاظ على الجندي الأسير في ظروف بالغة التعقيد، ومتغيرات وطنية قد عصفت بالحالة مما صعب من مهمة المقاومة، وزاد الضغط والحمل على حكومة الأستاذ إسماعيل هنية، واظهرت المقاومة وحكومتها براعة كاملة في إدارة ملف أسير الاحتلال لديها، وتبنت سياسة معتبرة للحفاظ عليه، وفي نفس الوقت فرض عليها إدارة عدوان 2008-2009، الذي استهدف مقدرات الأجهزة الأمنية العاملة في قطاع غزة والوزارات المدنية التابعة للحكومة، والاعتداء على الشعب الفلسطيني في عملية تفاوض بالنار في محاولة لتركيع الشعب الفلسطيني ومقاومته والذي فشل في تحقيق أي هدف من أهدافه سواء المعلنة أو السرية، واستطاعت المقاومة أن تحقق إنجازاً تاريخياً.

الفرح الفلسطيني الذي أقيم على ربوع التواجد الفلسطيني، وتمثل في وحدة الفلسطيني في عملية التفاوض، والتمسك بالكل الفلسطيني وإنهاء التصنيفات الاحتلالية للفلسطينيين وكسر الارادة (الإسرائيلية) في أحد أهم وأضخم عمليات التبادل في تاريخ الكيان الزائل، والاستسلام لعنفوان الفلسطيني الثائر، وذلك بإطلاق 1027 مقاتلاً فدائياً من خيرة أبناء الشعب الفلسطيني.

بين جدليات الحكم بتقديم التنازلات والخضوع للضغوط، والمقاومة وانتزاع الحقوق الوطنية، ترى قصة أبطالها من الثائرين الذين عرفوا طريقهم، ولم يحرفهم لا اغراءات الحكم، ولا ضغوطات الأعداء، فيتعزز الفهم والقول إن الجمع بين المقاومة والحكم لا ينقصه الا إرادة المقاتل وعنفوان الثائر وأنك الفلسطيني يستطيع أن يكون نموذجاً يحتذى به برغم صعوبات الطريق.

 

البث المباشر