فشل البرلمان اللبناني، اليوم الإثنين، للمرة الرابعة على التوالي، في انتخاب رئيس جديد للبلاد، على بُعد أيام فقط من انتهاء ولاية الرئيس الحالي ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول الحالي.
ولم يتمكّن أي مرشح من تأمين أصوات غالبية الثلثين اللازمة دستورياً للفوز، أي ما يعادل 86 صوتاً من أصل 128 مجموع عدد النواب، في حين تكرّر مشهد إسقاط نصاب الدورة الثانية بفعل مغادرة كتلة "حزب الله" وحلفائها القاعة.
وبعدما أعلن رئيس البرلمان نبيه بري يوم الخميس المقبل موعداً للجلسة الخامسة لانتخاب رئيس، عاد وتراجع، مؤكداً أنه سيحدّد التاريخ في وقتٍ لاحق ويبلّغه للنواب، مع الإشارة إلى أن الخميس مرتقب أن يشهد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل في الناقورة جنوباً.
وشارك في الجلسة اليوم الاثنين 114 نائباً، ما أمّن نصاب الدورة الأولى المطلوب بغالبية الثلثين، وانحصرت المنافسة بين "الورقة البيضاء" التي حازت على 50 صوتاً، والنائب ميشال معوض الذي نال 39 صوتاً، في حين نال النقابي والمؤرخ عصام خليفة 10 أصوات، وشعار "لبنان الجديد" 13 صوتاً، مع اعتبار ورقتين ملغاتين.
وتمثّل الورقة البيضاء، بغالبية أرقامها التي انخفضت 5 أصوات عن الجلسة الثالثة، "حزب الله"، و"التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل (صهر الرئيس ميشال عون)، و"حركة أمل" برئاسة بري، و"تيار المردة" برئاسة سليمان فرنجية، الذي يُعدّ مرشحاً غير معلن من جانب الثنائي حزب الله وحركة أمل، في ظلّ عدم تأمين التوافق الكامل عليه، ورفضه المطلق من قبل باسيل.
أمّا الأحزاب المعارضة، "القوات اللبنانية" (برئاسة سمير جعجع) و"الكتائب اللبنانية" (برئاسة النائب سامي الجميل) و"التقدمي الاشتراكي" (برئاسة وليد جنبلاط)، فتبنّت ترشيح النائب ميشال معوض، علماً أنه نال في هذه الجلسة عدد أصوات أقلّ من السابقة، التي حاز فيها على 42 صوتاً.
أما البارز في جلسة اليوم، فكان الانقسام الذي تتسع رقعته في صفوف تكتل نواب التغيير، إذ بعد انسحاب النائب ميشال دويهي منه الأسبوع الماضي، عجز التكتل، رغم اجتماعاته المفتوحة واتصالاته ومشاوراته، عن التلاقي حول موقفٍ واحد أو التوصل إلى ترشيح شخصية معينة.
كذلك، أعلن النائب وضاح صادق، في تصريح تلفزيوني بعد الجلسة، أنه انسحب من تكتل نواب التغيير، وصبّ صوته اليوم لصالح النائب ميشال معوض.
وانقسم تصويت "التغييريين"، اليوم، بين شعار "لبنان الجديد" والمؤرخ عصام خليفة، الذي كانت أعلنت النائبة حليمة القعقور أمس التصويت له بشكل رسمي، بينما خرجت معلومات، اليوم صباحاً، بتوجه نواب آخرين ضمن التكتل للتصويت له، فيما لمّح آخرون إلى تسمية النائب الأسبق صلاح حنين، لكنهم عادوا وصوّتوا للشعار الذي اعتُمد في الجلسة الثالثة.
وعزّز تكرار سيناريو الجلسات الثلاث تصريح رئيس مجلس النواب نبيه بري للصحافة، أمس الأحد، بأنه سيسعى بعد انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس في 31 أكتوبر الحالي، إلى "استمزاج آراء الكتل النيابية وقادة الأحزاب حول الدعوة إلى حوار مفتوح يراد منه تعبيد الطريق لتكون سالكة أمام انتخاب الرئيس، وقطع الطريق على تمديد مفتوح للشغور الرئاسي".
وقال مصدرٌ مقرّبٌ من بري إن "التوافق السياسي لم ينضج بعد، وهو ممرٌ إلزامي لأي شخصية تريد أن تصل إلى سدّة الرئاسة، إذ لا يمكن لأي فريق أن يفرض مرشحاً على الآخرين، وعلى الأحزاب المعارضة المتمسكة بالنائب ميشال معوض أن تعي أن الحوار مطلوبٌ، ويمكن التباحث بالأسماء للوصول إلى شخص توافقي".
ويضيف المصدر، لـ"العربي الجديد"، أن "كتلة التنمية والتحرير (يرأسها بري)، لا تضع الأوراق البيضاء من بوابة التحدي أو التعطيل، بل على العكس، فلمَ تطرح أسماء نعلم مسبقاً أنها لن تتمكن من تأمين غالبية الثلثين، أي ما يعادل 86 نائباً من أصل 128؟ والرئيس بري قالها أكثر من مرة، لو عُقدت عشرون جلسة ولم يحصل توافق، فالفراغ سيستمر، من هنا ستكون دعوته إلى الحوار، ونأمل أن تلقى الترحيب، والتأييد، والانفتاح المطلوب في هذه المرحلة الدقيقة".
ويكتفي مصدر في حزب "القوات اللبنانية" (يرأسه سمير جعجع) بالتعليق على الدعوة للحوار بالقول لـ"العربي الجديد": "نحن نؤيد كل خطوة تجمع القوى السياسية إلى طاولة واحدة لإنقاذ البلد، ولكن شرط أن يكون العنوان الأول المدرج هو الدولة اللبنانية وسيادتها على كامل أراضيها، وبسلاح واحد فقط يكون بيد الجيش اللبناني، عدا ذلك، جربنا كل الحوارات ورأينا نتائجها، وبكل الأحوال، سيجرى التباحث بالموضوع وشكل الدعوة والحوار، واتخاذ الموقف الرسمي".
وتأتي دعوة بري للحوار، في وقتٍ يرتفع التصعيد من جانب فريق الرئيس عون السياسي، وصهره رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل الذي يحذّر من فوضى دستورية في حال انتهاء ولاية رئيس الجمهورية من دون تشكيل حكومة جديدة، ويعبّر صراحة عن رفضه تسلّم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي صلاحيات الرئيس عند الفراغ، بذريعة أنها بحكم المستقيلة، وبحال تصريف أعمال، بينما المطلوب حكومة كاملة الصلاحيات.
وبدأت أوساط باسيل تلوّح إعلامياً بأكثر من وسيلة لمواجهة هذا السيناريو، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام تسريبات وأخبار، سرعان ما يتم نفيها، منها نية عون إقالة ميقاتي قبل مغادرته قصر بعبدا الجمهوري.
ونفى عون، أمس الأحد، ما يُنشر عن عزمه إصدار مرسوم قبول استقالة الحكومة، وقالت الرئاسة اللبنانية، في بيان، إن هذه المعلومات تندرج في إطار التشويش المتعمّد والإساءة الممنهجة لموقع الرئاسة وشخص الرئيس.
المصدر: العربي الجديد