المُلاحظ للأحداث المُتسارعة في الضفة الغربية يُدرك جيداً أنّ هُناك نهجاً مُنظماً للمقاومة وقواعد الاشتباك تمّ الإعداد له، وأنّ جُهداً مدروساً قد بّذل من أجله، وأنه نهجٌ ليس وليد الصدفة.
عُدتُ بذاكرتي قليلاً، عندما كنت أشعر بالدهشة والذهول في كل مرة يُعلن فيها عن ارتقاء شهيد في نابلس، ثُمّ يلتحق به صديقه شهيداً، ويتوالى الركب بالشهداء الأصدقاء الذين جمعتهم المُقاومة في سهراتهم وجلساتهم وصورهم، حتى في ملابسهم وكأنّ هيئتهم واحدة، بدأ هذا الشعور بعد ارتقاء الشهيد عبد الله الحصري الذي استشهد برصاص قناص صهيوني في مدينة جنين مارس الماضي، ثم التحق به صديقه الشهيد أحمد السعدي بعد أقل من شهر من استشهاد صديقه عبد الله والذي لم يتخلّف يوماً واحداً عن زيارة قبر صديقه الشهيد.
وفي يوليو الماضي ارتقى الشهيد محمد العزيزي ابن حارة الياسمينة في نابلس وصديقه الشهيد عبد الرحمن صبح بعد اشتباكات مُسلحة ومعركة شرسة مع قوات الاحتلال، ثم يزدحم الموكب بالشهداء الأصدقاء، فيلتحق بهم الشهيد المُطارد إبراهيم النابلسي وصديقه الشهيد إسلام صبوح بعد مطاردتهم لأسابيع، وكان لاستشهاد النابلسي وقع مُؤثر على كل من سمع صوته وهو ينعي نفسه بالشهيد عبر الرسالة الصوتية التي أرسلها أثناء محاصرة الاحتلال له، ورفضه الاستسلام، وقتاله هو ورفاقه حتى الرصاصة الأخيرة، أما وصيته التي علا صداها أرجاء فلسطين "لا تتركوا البارودة" فقد حُفظت في صدور شباب نابلس وحُفرت على بنادقهم.
ثُمّ تقتحم أجهزة السلطة الفلسطينية الأحداث وتعتقل المُطارد مصعب اشتيه وصديقه عميد طبيلة وهُما أصدقاء الشهداء النابلسي وصبح والعزيزي، والذي وصفه تقرير سابق للقناة 12 العبرية بأنه الرجل الأخطر في نابلس، أما التهمة التي وجهت له فهي تمويل مجموعات عرين الأسود بدعم من حماس، هذه المجموعات التي تضم عشرات الشباب المُقاوم بزيّ موّحد وباللون الأسود، ظهرت عبر تبنيها لعمليات المُقاومة والاشتباك مع الاحتلال الصهيوني، تتخذ البلدة القديمة في نابلس مقراً لها، والتي أُعلن عنها رسمياً في حفل تأبين الشهيدين العزيزي وصبح بعد 40 يوماً من استشهادهما، ليُعلن من ذلك الحفل عند شارع حطين وسط نابلس ميثاق العرين وبرنامجه المُقاوم ومُؤسسه الشهيد العزيزي، وقد أكدت "عرين الأسود" في بيان الإعلان على نهج المُقاومة المستمر ضد الاحتلال ومستوطنيه ومن يُساندهم من العملاء، وعدم ترك البندقية أو إهدار رصاصها في الهواء.
واعتمد العرين نهج المُبادرة والمُباغتة للاحتلال عند نقاط التماس والحواجز العسكرية، وبظهور الأسود من عرينها تبددت كل دهشتي وتلاشى ذهولي من نهج الشباب المُقاوم المُطارِد المُشتبك المُباغت المُبادر، والذي هو وحدة واحدة تجمّعَ تحت راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله".
وما أن اتضحت الصورة للعرين وأسودها حتى ترددت تساؤلات حول آليات تشكيلها ودعمها، وهل لقائد أركان المُقاومة في غزة محمد الضيف دور في تأسيسها؟
رجعت لبرنامج "ما خفي أعظم – قلب المعادلة" الذي عرض فيه محضر اجتماع سري لهيئة الأركان العامة لكتائب القسام، والذي انعقد في 7 يناير 2021، بقيادة محمد الضيف، والذي تقرر خلاله "توسيع رقعة المُقاومة في مناطق الوطن وتطوير قواعد الاشتباك لصالح المقاومة وإدخال القدس في قواعد الاشتباك"، فهل المقصود من هذا التوسع تشكيل مجموعات عرين الأسود؟ وهل هناك دلالة لما تحدّث به الشهيد عبد الرحمن صبح في أحد جلساته قبل استشهاده "بس قائدنا الضيف، بواريدنا للضيف"؟ هل هذا يدل على أنّ تمويل العرين من محمد الضيف الذي يبدو أنه وضع استراتيجية ونهج مُنظم للمقاومة في الضفة الغربية ويعمل على توسعته ليشمل جميع مناطق الضفة الغربية والقدس، وسيتمدد ليضم أراضي الداخل المُحتل.
نابلس في عرس وداع شهدائها وديع الحوح -أحد قادة عرين الأسود- ورفاقه، خرجت عن بكرة أبيها لتُبايع نهج المُقاومة، وتُعلن أنها الوفية والأمينة على وصايا الشهداء الأبرار، خرجت لتُعلن أن الوقت حان لتعود رائحة البارود والنار لتلتهم أشلاء الصهاينة الأوغاد، وتُعلن أنّ الوقت حان ليطير سقف الباص ويدبّ الرعب والدمار في الملاهي والحانات.
هو إعلان على المكشوف بأنّ زمن الخوف قد ولّى، وأنّ عهداً جديداً من المُقاومة المُنظمة والمُخطط له قد سطع شمسه في آفاق فلسطين، كان إشراقها من غزة التي أسست للمقاومة فيها قاعدة قوية وبنية تحتية وحاضنة شعبية ثم اتجهت للضفة، فرصّت الصفوف بعد أن قدمت الدعم والتمويل والإرشاد والتوجيه، وننتظر بفارغ الصبر طلة الملثم أبو الكوفية ليصدح بالتصريح ويكشف ما وراء الكواليس.
مقال: "عرين الأسود" النهج المُنظم للمُقاومة في الضفة الغربية
د. أميرة فؤاد النحال