لم يعد أي من الأمكنة في الضفة الغربية مستثنى من سلسلة القتل والاغتيال، فمن لم يمت برصاص الاحتلال، مات برصاص المستوطنين الذين يركضون كالقطعان وراء المزارعين في موسم حصاد الزيتون، وهذا ما حدث مع الشاب الشهيد مصعب نفل.
كمين نصب لكل العائلة، راح ضحيته اثنان، لم يكمل أكبرهما الثمانية عشر، مصعب نفل محمد علوان، كان متوجها مع عائلته إلى قطاف الزيتون كما كل الأعوام، ولسوء حظ العائلة فإن أراضيهم الزراعية تقع في منتصف بؤر استيطانية، في منطقة المزرعة الغربية كواحدة من أراضي بلدة سنجل، ما يجعل الذهاب إلى الأرض مغامرة لا يعرف أي منهم نتائجها.
استشهد ابن عمه مصعب قبل خمسة عشر عاما بنفس الظروف وذات الطريقة، وكأن التاريخ يعاد ألف مرة بنفس الرصاص، وعلى ذات الأرض نصب المستوطنون كمائن للمواطنين وتهجموا عليهم ونكلوا بهم، وهذا ما فعلوه أول أمس مع عائلة علوان.
بعد مواجهات دامت لساعات، وإطلاق نار على المواطنين بحماية جنود الاحتلال، وعودة العائلة لمنزلها دون قطاف، فقدت آثار مصعب وابن عمه، وبدأت العائلة بالبحث عنهما.
غاب مصعب ثلاث ساعات أخريات، وبحثت العائلة عن خبر يبرد نار القلب، حتى سمعت عن وجود جريحين في مستشفى رام الله، فذهبت لتجد ابنها مصعب شهيدا وابن عمه مصابا في رقبته إصابة بالغة.
ولعل أكثر ما يؤلم القلب في هذا الغياب الأبدي هو أنه لم يكن الأول، ولن يكون الأخير، وبأن الموت حاضر في معركة الحصاد كل عام، فمنطقة المزرعة تقع على مدخل سنجل وهي محاطة بالمستوطنات من جميع الاتجاهات، ويعاني الأهالي من تنكيل المستوطنين وهجومهم المتواصل عليهم في موسم الحصاد.
تقع القرية المستهدفة إلى الشمال الشرقي من مدينة رام الله وتبعد عنها حوالي 15كم إلى طريق القدس – نابلس شرقاً، وتبعد عن الطريق الرئيسي 3كم، وترتفع عن سطح البحر 940م، فيما تبلغ مساحتها العمرانية 2000 دونم.
المختص بقضايا الاستيطان صلاح الخواجا يقول إن منطقة المزرعة أقرب القرى لسنجل وهناك استشهد مصعب.
هذه القرى -حسب الخواجا- تقع بين أربع مستوطنات مقامة على أراضي سنجل، ويجاورها طريق يستخدمه المستوطنون أغلقه الاحتلال لسنوات طويلة، بسبب مرور المستوطنين منه ولمنع مرور المزارعين الذاهبين إلى أراضيهم.
وهناك في تلك البقعة التي صودرت كثير من أراضيها محاولات تنكيل لمصادرة ما تبقى، وقبل أسبوع، أقدمت عصابات المستوطنين على حرق سيارات نشطاء حملة قطف الزيتون، وطاردوا الشباب المشاركين في الحملة وأطلقوا عليهم قنابل الغاز، حسب ما قال صلاح الخواجا.
وتبلغ مساحة أراضي بلدة سنجل نحو 16 ألف دونم، بينها 3 آلاف دونم تمت مصادرتها، فيما يتهدد الباقي منها الاستيطان والمصادرة لصالح المستوطنات المحيطة بالبلدة، البالغ عددها 5، وهي: "معاليه لفونة"، و"عيليه"، و"هارواة"، و"جفعات هاروئيه"، و"شيلو"، بالإضافة إلى معسكر لجيش الاحتلال مقام على أراضي البلدة، ما يحول أراضي المزارعين إلى بؤر للموت تترصد أرواحهم في كل موسم لقطف الزيتون.