بلا شك هناك عوامل طبيعية تساهم في ازمة المياه في قطاع غزة وتتمثل في الموقع الجغرافي لقطاع غزة والذي يصنف بشبه الجاف وبالتالي ندرة مياه الامطار خاصة عندما نتحدث عن صغر المساحة الجغرافية للقطاع والكثافة السكانية المرتفعة في ظل ندرة الموارد المياه السطحية والجوفية الطبيعية.
بالإضافة الى العوامل الطبيعية بالتاكيد ان ازمة المياه في قطاع غزة لها ابعاد سياسية حيث الكثافة السكانية العالية نسبيا والتي تعود اسبابها الى الاحتلال وتهجيره للسكان في حرب العام 1948 او ما يعرف بعام النكبة الفلسطيني حيث يمثل اللاجئون في القطاع حوالي سبعة وستون بالمائة من سكان القطاع الأصليين وهذا شكل ضغط إضافي على موارد المياه وحمايتها من الاستنزاف.
تفاقمت ازمة المياه في قطاع غزة خلال العقدين الاخيرين بسبب الزيادة السكانية المتسارعة وزيادة الطلب على المياه في ظل حدوث انقسام فلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة نجم عنه فرض حصار سياسي واقتصادي على سكان القطاع من قبل الاحتلال والدول المانحة والذي نتج عنه تباطؤ كبير في تنفيذ مشاريع مرافق المياه الاستراتيجية المعتمدة ضمن الخطة الاستراتيجية لقطاع المياه والتي تشمل محطات تحلية مياه البحر ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي بالاضافة الى البنية التحتية المطلوبة لتطوير نظام تجميع وتصريف مياه الصرف الصحي وبالتالي الحد من تلويث الخزان الجوفي الساحلي بالاضافة الى تطوير البنية التحتية المتعلقة بنظم تصريف وحصاد مياه الامطار.. الحصار والانقسام نتج عنه تركيز وتوجيه مشاريع قطاع المياه والصرف الصحي والممولة من قبل الدول المانحة باتجاه الضفة الغربية اكثر منها في قطاع غزة.
يعتبر الاحتلال الفاعل الأكبر في استفحال ازمة المياه في قطاع غزة من خلال ممارساته العدوانية والمتعلقة بشنه الحروب والاجتياحات المتكررة على قطاع غزة وبالتالي تدميره للبنية التحتية الهشة لقطاع المياه والصرف الصحي والتسبب في تلويث مصادر المياه وبالتالي التسبب في حرمان الفلسطينيين من حقهم الطبيعي بالحصول على مياه شرب صحية وامنة. الاحتلال لم يكتفي بذلك بل عمد الى مصادرة او سرقة عشرات ملايين الأمتار المكعبة سنويا من مصادر المياه الفلسطينية عبر منعه لتدفق مياه الوديان السطحية والمياه الجوفية خلال الخمسة عقود الماضية من خلال انشائه العديد من السدود على مجاري الوديان المغذية للقطاع او من خلال اباره المنتشرة على طول الحدود الشرقية للقطاع التي تعيق وتمنع تدفق المياه في باطن الأرض عبر الحدود او من خلال استنزافه للخزان الجوفي الساحلي داخل القطاع عبرابار المغتصبات خلال وجوده في القطاع على مدار اكثر من ثلاثين عاما
في ظل استمرار الحصار المفروض على قطاع غزة وما نتج عنه من تباطؤ وتأخير في تنفيذ المشاريع الاستراتيجية خاصة محطة التحلية المركزية لتوفير مياه الشرب والحاجة الملحة لتوسعة القدرة الاستيعابية لمحطات معالجة مياه الصرف الصحي القائمة وتطوير البعض الاخر منها وكذلك زيادة القدرة الاستيعابية لمحطات تحلية مياه البحر القائمة صغيرة الحجم لتتوافق مع الزيادة الطبيعية للسكان وزيادة الطلب على مصادر المياه وكذلك الحاجة الملحة لتطوير البنية التحتية المتعلقة بنظم تجميع ومعالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي للحد من التلوث وكذلك نظم مياه الامطار وتعظيم الحصاد المطري لتصفير العجز المائي القائم وفي ظل ممارسات الاحتلال العدوانية وسرقته لمصادر المياه الجوفية والسطحية وما لم تتخذ الإجراءات المطلوبة فان ازمة المياه في قطاع غزة من الارجح انها ستتفاقم في الفترة القادمة بدرجة كبيرة سيترتب عليها استنزاف مضاعف للخزان الجوفي الساحلي وتدهور نوعية مياهه بشكل حاد الى درجة عدم القدرة على الاستفادة من مياهه بشكل كامل وبالتالي ستكون هناك نتائج اقتصادية واجتماعية وصحية كارثية ستشكل تحد للامن القومي الفلسطيني في القطاع
ان حل ازمة المياه المتفاقمة في قطاع غزة يتطلب وحدة النظام السياسي الفلسطيني بشكل عاجل وبالتالي الضغط دوليا على الاحتلال لرفع هذا الحصار عن قطاع غزة والعمل على توحيد الجهود لجلب التمويل المطلوب من اجل ايجاد وانشاء البنية التحتية المطلوبة في قطاع المياه من اجل توفير وايجاد مصادر المياه المطلوبة لسد احتياجات السكان من المياه للاغراض المختلفة وبشكل مواز يجب على الفلسطينيين ان يعدوا خطة عمل من اجل مقاضاة الاحتلال على جرائمه وممارساته المتعلقة بسرقة ومصادرة المياه الفلسطينية الجوفية والسطحية العابرة للحدود وكذلك المتعلقة باغلاق المعابر ومنع اعمار القطاع من خلال منع المانحين من العمل في القطاع وتعويض الشعب الفلسطيني عن جميع الاضرار المباشرة وغير المباشرة التي لحقت به جراء الحروب، الحصار، اغلاق المعابر ومصادرة او سرقة المياه الفلسطينية