شكّل صعود الصهيونية الدينية إلى مناصب رفيعة في حكومة نتنياهو المرتقبة جزءاً من التوتر المتصاعد في الضفة الغربية، بل وشجعت عصابات المستوطنين بدعم من الجنود على المزيد من العدوان.
التقرير الذي عرضه جيش العدو قبل يومين أوضح تصاعد عنف المستوطنين وعصابات فتية التلال، لكن في مقابله تحدث عن قفزة في عمليات المقاومة في الضفة، وحتى أنه اعتُبر بشكل غير مباشر إعلان فشل من الجيش في حملته التي أسماها “كاسر الأمواج”، والتي قوبلت بتطور العمل المقاوم وصولاً إلى عملية القدس المفخخة.
منذ تولي بيني غانتس منصب وزارة الجيش حاول استخدام أسلوب “العصا والجزرة” من خلال ما يصفها بالتسهيلات الاقتصادية، لكنه فشل، خاصة أن عدد غير قليل من منفذي العمليات هم عمال فلسطينيون يعملون في الداخل المحتل، أو لديهم وضع اقتصادي ممتاز، فوجد غانتس أن هذه الطريقة غير ناجعة.
ثم حاول اللعب على الوتر السياسي من خلال استنهاض السلطة الفلسطينية، لكنه فشل، وكان حديث غانتس مع القناة 13 العبرية في لقاء الأمس، أكبر دليل على خيبة أمله من الجهود التي بذلت في استنهاض السلطة لصد موجة العمليات، لكنه أيقن أن القرار هو قرار الشعب وليس السلطة ذات الحظوظ المنخفضة من الثقة أصلا حتى من عناصرها.
في ميزان القدرات، لو تناولنا ما استخدمه جيش العدو في التعامل مع الضفة في مقابل الطرف الفلسطيني سنجد الفارق واضحاً، من طرف العدو استخدم قدراته السياسية والاقتصادية والعسكرية مثل تعزيز الضفة بقوات كبيرة استنفدت جزءاً من قواه البشرية، وعزز بناء الجدار الفاصل، وادخل معدات عسكرية جديدة لساحة الضفة مثل طائرات الاستطلاع وأنظمة التجسس، كما دفع بكافة وحداته العسكرية الخاصة لتنفيذ نشاطات أمنية في الضفة وكانت النتيجة صفر.
في الطرف الفلسطيني لا يوجد داعم سياسي في الضفة، ولا جهة تحمي ظهر المقاومة، وأدوات المواجهة بسيطة جداً في الميزان العسكري النمطي، لكن النتائج مبهرة بعد سلسلة العمليات التي أربكت جيش العدو، والتي خلفت حسب اعترافه 31 قتيلًا وعشرات الإصابات بينهم ضباط وقادة كتائب.
بالنظر إلى ما سبق نجد فعلياً وبدون أي مبالغة أن المقاومة عملت وما زالت تعمل على استنزاف قدرات جيش العدو، بل وأوقعت مؤسسته الأمنية في حالة إرباك واضحة، بعدد كبير من الأعمال الفدائية التي فشل في الوصول لمنفذيها ومن يقف ورائها.
كما أن حكومة نتنياهو المقبلة قد تُحدث طفرة في حالة الاشتباك والمواجهة، وعليه يجب تطوير خطة وتكتيك المقاومة خاصة وأن شخصيات مثل بن غفير وسموتريش قد باتوا أعمدة لحكومة نتنياهو السادسة، معتمدين على عصابات استيطانية مُسلحة تابعة لهم، مع صلاحيات مختلفة ومتنوعة على مفاصل جهات عسكرية مثل حرس الحدود.
مع عدم إغفال أن حكومة نتنياهو المكلفة لن تكون كما كانت في السابق في عهد ليبرمان أو بينت أو غانتس، فنتنياهو لن يكون له الحرية الكاملة للتحكم في القرارات التي يصدرها وزراء الصهيونية الدينية، لأن من ضمن اتفاقات الحكومة الحالية اتفاقات ائتلافية مسبقة بالصلاحيات الممنوحة لكل منهم، والتي نجح فيها بن غفير وسموترتش في ابتزاز نتنياهو في ضوء عدد المقاعد التي حصلوا عليها.
لهذا فإن جيش العدو وأجهزته الأمنية وعصابات مستوطنيه الإرهابية ستخضع ضمن مُنحنى تصاعدي من حالة استنزاف قوية وشديدة في الضفة الغربية، حتى لو أقدم العدو على خطوات قمعية أشد من “كاسر الأمواج” و “جز العشب” و”السور الواقي” فستبقى خاصرته الرخوة وشقوق جروحه في ساحات المواجهة المختلفة في استنزاف مستمر من قبل جيل فلسطيني لا يعرف التراجع أو الاستسلام وغير قابل للتدجين.