وسام عفيفه
النار التي اشتعلت في قلوب الغلابة قبل أن تشتعل في أجسادهم أصبحت بمثابة رمز الثورة الحديثة في الوطن العربي وليس في تونس فقط.
التونسي المرحوم "محمد بوعزيزي" أوقد شعلة اولمبياد "الغضب الشعبي" وافتتح السباق نحو الكرامة والحرية , وسجلت تونس هدف السبق, حائزة على ميدالية حمراء مزينة بالياسمين تقلدها من سقطوا في ميادين المواجهة مع النظام القمعي.
الرئيس التونسي المخلوع "بن علي" حصل أيضا على لقب مستحق بوصفه "زين الهاربين" كما يطلق عليه المدونون في "الفيس بوك " بعدما استأثر بلقب "زين الفاسدين" على مدار 23 عاما, وهو بذلك يضرب نموذجا مرعبا لدى نظرائه وأصدقائه الزعماء العرب, الذين يلعنوه كل يوم على فعلته هذه ولسان حالهم يقول: ماذا فعلت يا غبي؟ كيف تترك الكرسي وتهرب بهذه السرعة ؟
الم نكن شركاء في الحكم وننسق في قمع مثل هذه الثورات ؟ ما قام به شعبك كلام فارغ ,لا يستحق الاستسلام بهذه السهولة, لقد فتحت علينا بهربك أبواب جهنم ,"خربت بيتنا الله يخرب بيتك".
الشعب الفلسطيني يشعر انه ساهم في هذه الثورة ..كيف ذلك؟
الإطارات المشتعلة, الشبان الملثمون بالكوفيات, رشق قوات الأمن بالحجارة وكل ما تقع عليه أيديهم,ا لهتافات والحشود, مشاهد كأنها من الانتفاضة الأولى أو انتفاضة الأقصى , لكنها هذه المرة في تونس .
إذا من قال أننا_نحن الفلسطينيين- لا نملك موارد طبيعية أو صناعات محلية نصدرها للخارج, لقد صدرنا ثقافة الغضب والانتفاضة والمقاومة والاستشهاد والتضحية بالجسد من اجل أن يحيا الوطن.
لدينا أيضا صادرات ما بعد الانتفاضة ..إذا حوصر الشعب التونسي, أو حاولوا سرقة قراره وجعل معدته رهينة, مقابل الاستسلام , فلدينا في غزة صناعة مواجهة الحصار, صناعة الحياة من الموت والقتل والدمار, وإذا لم تصدقوا , "زورونا في غزة تجدوا ما يسركم.. وشعارنا "ما تقلقش".
أما فيما يتعلق بمؤامرات الأقرباء؟ والجيران, قبل الأعداء فلدينا أيضا تجربة معهم, نقول للتونسيين لا تخشوهم , فهم يخافون منكم ..قلقون من ان تجتاح ثورتكم حدودهم, لذا ربما يضيقون عليكم , ويغلقون الحدود في وجوهكم, سيحاربونكم باحتياجاتكم الحياتية الأساسية , لا تقلقوا .. احفروا أنفاقكم من اليوم, اسألوا عنها المخرج التونسي شوقي الماجري الذي انتهى من تصوير آخر المشاهد بتونس لأول فليم روائي له (مملكة النمل) الذي يلقي الضوء على الحياة في الأنفاق التي يشقها فلسطينيون.
احد مشاهده قصف يومي.. مروحيات اباتشي ترسل حمما تحصد الأرواح وتأتي على الأخضر واليابس.. وتحت الأرض مغارات وسراديب تصل مدن فلسطين ببعضها دون عناء وفي أمان.. عالم هادئ وآمن وسحري.
المخرج الماجري صور الجزء الأخير من (مملكة النمل) في مغاور مدينة الهوارية الساحلية بتونس ثم بمواقع أثرية في المهدية من بينها القصر الروماني بالجم.
الفيلم لا يتعرض إلى انفاق غزة مثلما يعتقد البعض وما يجري من تهريب لكنه يلقي الضوء على ’هروب الفلسطينيين من الأرض الممتلئة بالعذاب والألم إلى حياة السراديب المكتظة بالأمل.
الماجري قال عن فيلمه : "هو تجسيد لفكرة الوجود على أرض فلسطين أو نموت تحت ترابها’.
والتونسيون قرروا أن يعشوا على ارض "الخضراء" أو يتحرروا تحت ترابها.