أحد أبناء مكعبات الصفيح والاسمنت المترامية على ساحل المتوسط في جنوب فلسطين، يسمع هيعة الوحش الفولاذي الطائر المسمى بالـ "F16" يدوي في سمائه، فيهرع حافي القدمين حاملًا رمحه على كتفه، مطلقًا عينيه في السماء، عاقدًا العزم والأمل على اصطياده.
ليس لفظ الرمح هنا مجازًا او استحضار من روح لغة الضاد وكنوزها، بل وصفًا حقيقية لقيمة هذا السلاح القادم من السبعينات، إلى أكتاف مقاتلي غزة، ليكون كالرمح أمام تقنيات الجيل الخامس من نخبة المقاتلات الحربية.
لا يبالي هذا الفلسطيني، بترسانة التقنيات التي تحلق فوق رأسه، لا يلقي بالًا لأنظمة السيطرة والتحكم وإدارة العمليات والمعارك الجوية والبرية، ولا بأطنان القنابل الخارقة للتحصينات على أجنحتها، ومنظومات التوجيه بالليزر، والرؤية الليلة، والذكاء الصناعي، ويخرج لملاقاتها بماسورة مذخرة بالبارود ونظام توجيه بدائي يزيد عمره عن ضعفي أو ثلاث أضعاف عمر المتوشح به في ليل القطاع.
في عتم ليل يعلو فيه نعيق الـ F16 وهدير صوتها المرعب وصفير قنابلها المحمّلة بالموت، يبرز لها الفتى، حافي القدمي، شديد البأس، ميّت القلب، كما خرج جده داوود بمقلاعه لجالوت المتوّج بالملك والجنود و الجيوش، وكما خرج أجداده في القادسية بأسنة الرمال لفيلة الفُرس التي لم تر العرب بمثلها في سابق حروبها وغزاوتها وغاراتها.
اقتلع أجداده في القادسية أعين كتائب فيلة الفرس المدرعة بالرماح، لتتهاوى تحت سنابك خيلهم قصور كسرى، وأردى جده داوود عدوه جالوت صريعًا بضربة مقلاع اقتلع بها ملك الجبابرة، وذات يوم ستتهاوى الـ F16 كجيفة من الحديد و أشباه الموصلات صهرتها كتلة اللهب المنبعثة من كتف مقاتل حافي القدمين على سوافي غزة إلى عنان السماء التي تظن أسراب إسرائيل الحربية أنها صارت ملكها من دون الله.
في يوم بدر، سمع عمير بن الحمام - رضوان الله عليه - رسول الله ينادي إلى جنة عرضها السموات والأرض، وكان قد مد يده ليتناول بضع تمرات فألقاها قائلًا: "لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة" وقام إلى يوم الفرقان الذي عاد منه شـ،ـهـ،ـيـ..ـدًا، ولعل هذا المقاتل قد سمع نداء القتال في أيام فرقان غزة، فخرج لملاقاة "إسرائيل" متوشحًا سـ،ـلاحه حافي القدمين، متمتمًا: لئن أنا حييت حتى أرتدي بسطاري هذا، إنها لحياة طويلة.
"ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت