ما هذه الحملة الشعواء التي يشنها الصهاينة على الفيلم الأردني (فرحة) حتى لا تقوم بعرضه شبكة نت فليكس على شاشاتها؟ لماذا ينكرون المذبحة التي قاموا بها؟ وقد عرض لها الفيلم المأخوذ عن قصة حقيقية كما جاء في مقدمة الفيلم وعلى لسان مخرجته ومؤلفته الأردنية ذات الأصل الفلسطيني دارين سلام التي قالت “إن أحداث الفيلم رواها لها والداها”.
تدور أحداث الفيلم في عام النكبة 1948 من خلال فتاة فلسطينية (فرحة) التي تحلم بالذهاب إلى المدينة لاستكمال تعليمها، وبينما هي تحلم بالعودة بعد دراستها لتبني مدرسة للبنات يبدأ الاجتياح الصهيوني لقريتها التي هي إحدى قرى القدس، وتبدأ مأساة فرحة التي ترفض مغادرة القرية، ويضطر والدها إلى حبسها في مخبأ داخل منزلهم ليحميها من القتلة، ومن خلال طاقة صغيرة وفتحات في باب المخبأ تشاهد فرحة التي تعيش محبوسة أحداث الاجتياح، ومما تشاهده مذبحة يقوم بها جنود صهاينة لأسرة فلسطينية كاملة الأب، الأم، الجدة، ابنة صغيرة، ورضيع كان قد ولد في اليوم السابق، وشاهدت فرحة ولادته على يد والده في اليوم السابق.
لماذا يصرخ الصهاينة؟
يصرخ الصهاينة في كل مكان ضد الفيلم، ويشارك في الحملة عليه صحفيون وقنوات فضائية، مسؤولون سابقون، وزراء في حكوماتهم الحالية، وزير ثقافتهم أعلن “أن عرض الفيلم على شبكة نت فليكس وصمة عار”، ولا ندري بماذا يقصد الوزير الصهيوني: هل يقصد أن ما فعله الصهاينة على مدى تاريخهم وصمة عار عليهم؟ أم أنه ينكر المذبحة؟ كما أنكرها وزير ماليته في الحكومة السابقة، وآخرون يدعون أن الفيلم يصورهم كقتلة!!
هل تناسى القتلة جرائمهم الموثقة تاريخيًا؟ أم أنهم يخجلون منها؟ وهي الجرائم التي تستمر حتى الآن، منذ يومين فقط كان هناك 9 شهداء فلسطينيين على أيدي الصهاينة في 72 ساعة فقط منهم أخوان هم جواد الريماوي وظافر الريماوي، أنهم لا يعيشون إلا على المذابح وبالمذابح، أيها الصهيوني الذي لا يعيش إلا بالقتل تعالَ لنرصد بعض مذابحك.
ألم تكن مذبحة دير ياسين مذبحة صهيونية وعملية إبادة وطرد جماعية شهدتها قرية دير ياسين في عام 1948؟ ألم تكن جماعة شيترن والإرغون التي قامت بها جماعات صهيونية؟ ألم تكن مجزرة راح ضحيتها أطفال ونساء وعجزة قدروا بـ250 ضحية؟ وكانت هذه المذبحة عاملًا كبيرًا في نزوح جماعي كبير للفلسطينيين إلى البلاد العربية المجاورة، هل تعتقدون أنكم حين تصرخون سننسى ما اقترفته أياديكم المغروسة في دمائنا.
إن كنتم تظنون أن العالم قد ينسى بفعل الآلة الإعلامية الجهنمية لكم فإننا لا ننسى، هل يمكن أن ننسى مذبحكم في مخيمي صبرا وشاتيلا في سبتمبر 1985؟ على يد شارون والجيش الإسرائيلي، واستمرت ثلاثة أيام وراح ضحيتها أكثر من 3500 فلسطيني وفلسطينية منهم أطفال وعجزة، هل نذكركم بكل يوم تحتلون فيه أرضنا العربية؟ نعم فأنتم تقتلون وتذبحون أهل الأرض وأصحابها كل يوم احتلال، أنتم لا تعيشون إلا بالقتل والدم، فلماذا تصرخون على فيلم مجرد فيلم سينمائي لا يسجل لكم جرائمكم اليومية والتي لا تنتهي.
عودة إلى فرحة
الفيلم الذي يثير غضب الصهاينة ويجعلهم يصرخون علينا لسنا قتلة، يلقى تعاطفًا عربيًا كبيرًا، وهناك حملات في الدول العربية كلها لدعمه، وهو فيلم إنتاج أردني وشاركت مخرجته وكاتبة النص السينمائي دارين سلام مع مجموعة من المؤسسات الثقافية العربية في الإنتاج عام 2021، وقد شارك الفيلم في مجموعة من المهرجانات السينمائية العالمية، وحصل على العديد من الجوائز منها جائزة أفضل فيلم طويل شبابي في جوائز الأوسكار الأسيوية، جائزة الاتحاد الأوربي في مهرجان أسوان، وعرض في مهرجان سفر السينمائي للأفلام العربية هذا العام، والذي ينظمه المركز العربي البريطاني.
تبدأ أحداث الفيلم في إحدى قرى القدس عام 1948، الصبية فرحة تحلم بالتعليم في المدينة بعد أن أنهت حفظها للقرآن الكريم، وتحلم بالعودة بعده لعمل مدرسة تعلم فيها البنات، بينما تحكي حلمها لرفيقتها يبدأ الاجتياح الصهيوني، يقرر والداها أن يخبئاها عنهم في مخبأ سري في المنزل، لتعيش فيه فرحة أيام الاجتياح.
من خلال طاقة في أعلى المخبأ وفتحات بوابته المغلقة من الخارج تتابع فرحة الأحداث، ويملأ المكان الصمت والإضاءة الخافتة الدالة على حبس الحلم، وحبس أنفاس المشاهدين، في دلالة واضحة على قسوة الاحتلال وبشاعته، لقد تصورت طوال أحداث الفيلم أن فرحة هي فلسطين المحبوسة والمحتلة مع ما يكفيها من مستلزمات الحياة، ألم يحاصروا فلسطين ويريدون لأهلها فقط الحياة، كائنات تأكل وتشرب.
سكون يلف المكان أيامًا وليالي، لا يقطعه إلا أنين فرحة ويدها ترسم في أحيان وتكتب في أحيان أخرى، إضاءة توحى بالوحشة والظلم والقهر محاولات بائسة للخروج من محبسها، أصوات رصاص وهجمات صهيونية، وملامح خوف مرسومة على وجه بنت الأربعة عشر عامًا، لقد استطاعت البطلة كرم الطاهر أن تحبسنا مع أنفاسها وبداخل الحلم الفلسطيني المغتصب، الفيلم رغم أنه يدور أغلبه داخل المخبأ إلا أنني لم أشعر بالملل، بل كان الإحساس الغالب هو ما تعانيه فلسطين.
نشاهد فرحة من خلال نافذة المخبأ أبو محمد الفلسطيني جارهم وهو يقوم بتوليد زوجته لطفلها، ثم يأتي جنود الاحتلال ليقوموا بمذبحة للأسرة كاملة ويتركون الرضيع الذي يبكي طوال الليل بجوار مخبأ فرحة التي تحاول بشتى الطرق الخروج لإنقاذ الطفل الفلسطيني، تنهار فرحة وتبعثر الأشياء فتجد سلاحًا وأعيرة نارية لتقوم بتدمير البوابة وتخرج ويكون الطفل قد قتل، تخرج فرحة إلى الحرية بتحطيم بوابة حبسها بالسلاح، وتتجول في شوارع القدس، وأماكن أحلامها، ثم تبدأ رحلة حريتها في طريق طويل.
تقول المخرجة في نهاية الفيلم إن فرحة الحقيقية خرجت لتبحث عن والديها، ولم تجدهما، وأنها استقرت في أحد مخيمات اللاجئين في سوريا، وأقول إن فرحة (فلسطين) ستحصل على حريتها بقوة المقاومة والسلاح، لتبدأ رحلة عودتها إلى أمتها وأحلامها، وتبني مدراسها وتحفظ أبناءها التاريخ والجغرافيا والعلوم، وتبدأ طريقًا طويلًا بدا في نهاية فيلم دارين سلام الرائع والتاريخي، وهذا هو ما أثار ذعر الصهاينة وصراخهم.
المصدر : الجزيرة مباشر