في ديسمبر من كل عام تجتمع مجموعة من الذكريات المهمة في التاريخ الفلسطيني المعاصر، فعند ذكر الشهر تقفز مجموعة من الأحداث والعناوين المهمة للأذهان، لعل أبرزها ذكرى الانتفاضة الأولى " انتفاضة الحجارة " وانطلاقة كل من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة المقاومة الإسلامية حماس، كذلك من الذكريات المشهودة في هذا الشهر هي ذكرى العدوان الغاشم على غزة في العام ٢٠٠٨ والذي تصدت له المقاومة في معركة أطلقت عليها "معركة الفرقان" سطرت فيها صفحات عز وفخار أمام آلة الإجرام الصهيونية.
أرى أنه من المهم اليوم الحديث عن هذه التجربة الفلسطينية المهمة، التي استطاعت فيها الحركتين تجاوز كل عوامل الفرقة والاختلاف والتوجه نحو تأسيس آلية عمل مشترك مع كل المكونات الوطنية الأخرى، هدفها اعادة الاعتبار لقضيتنا الوطنية برمتها والعمل على استعادة دورها الفاعل، في ظل الضرر البالغ الذي لحق بها نتيجة عدة عوامل، أهمها هو عدم تجديد شرعية المؤسسات الفلسطينية نتيجة تعنت رئيس السلطة واستمراره في تعطيل فرص الذهاب لذلك، كذلك فشل مشروع التسوية السياسية ومراهنات السلطة وأدار العالم ظهره لها في ما يتعلق بإلزام الاحتلال بأي من شروطها، بل جاءت إدارة أمريكية لتنسف كل آمال السلطة بصفقة إجرامية أطلقت عليها " صفقة القرن " ما زالت مخاطرها جاثمة إلى الآن.
في ظل كل هذه التحديات الجسام التي تهدد وجود شعبنا الفلسطيني وتعمل على تصفية قضيته، كان لابد من وقفة وطنية جادة تستند لرص الصفوف وحشد الطاقات والإمكانات من أجل استعادة الدور الوطني، وإسناد الحراك الشعبي المتصاعد من قيادة أمينة تعمل وفق تطلعاته وآماله ولا تنسلخ عنه وتتماهى مع الاحتلال ومشاريعه الإجرامية.
فعلى صعيد العمل المشترك وهذا النموذج المتقدم، نستعرض مجموعة من الصور المهمة، والتي كان لها أثر في تعزيز الهوية الوطنية وتطلعات الشعب الفلسطيني ولعل أبرز هذه المظاهر.
١_ التنسيق الثنائى والتنسيق المشترك مع كل القوى والفصائل من أجل تقديم وجهات النظر في القضايا الوطنية المختلفة بشكل جماعي، وتأطير هذا التنسيق في لجان عمل ودوائر مختصة.
٢_ التعاون في اللجان والأنشطة المركزية مثل لجنة مسيرات العودة الكبرى وهيئة مواجهة الحصار وهيئة إسناد الداخل المحتل وعدد من اللجان والهيئات المتخصصة.
٣_ التعاون العسكري المشترك ضمن غرفة العمليات المشتركة التي تضم الأذرع العسكرية المختلفة في إطار غرفة العمليات المشتركة
٤_ التنسيق المشترك في العمل الطلابي والنقابي الذي نتج عنه تشكيل قوائم مشتركة، لخوض الانتخابات المختلفة ضمت مرشحين من الحركتين وعدد من القوى.
٥_ التنسيق الإعلامي المشترك عبر توحيد الجهود الإعلامية والاشتراك في صياغة رسالة إعلامية وطنية جامعة تعبر عن وحدة شعبنا.
٦_ التنسيق الاجتماعي في محاولة حل الكثير من الإشكاليات والوقوف على أسبابها ومعالجتها، بالإطار المشترك بين الحركتين ولجنة العمل الحكومي.
كل ذلك وغيره يجعل من هذا النموذج الوطني الفلسطيني نموذج ملهم أولا للحالة الفلسطينة، التي يجب أن تزيد من رص صفوفها في ظل التحديات المتصاعدة اليوم بعد تقدم المستوطنين لدوائر صنع القرار في كيان الاحتلال، كذلك هي نموذج لكثير من الأحزاب والتيارات العربية لنبذ الفرقة والتشتت والذهاب نحو العمل المشترك لخدمة القضايا الوطنية التي تضرها حالة الخلاف والشقاق.
وفي الختام أرى أن هذا التعاون والتكامل بين الحركتين المهمتين في ساحتنا الفلسطينية يجب أن يترجم عبر المزيد من العمل الجاد لوضع رؤية وطنية شاملة تنطلق من تعزيز فكرة المقاومة، تشارك فيها كل القوى السياسية المؤثرة، وتجيب عن عدة تساؤلات مهمة فيما يتعلق باستنهاض الوضع الفلسطيني الراهن كي لا يبقى رهين مجموعة تتفرد بالقرار الوطني، وتضع استراتيجية موحدة لمواجهة الاحتلال في كل الوطن المحل، وتساهم في تعزيز صمود شعبنا الثائر.