حينما تبحث عن قادة حماس لتقرأ تفاصيل حياتهم، ستجد الكثير من الأسماء، ومنها ثمانية وعشرون اسما لقادة أسسوا الحركة، وقدموا للمقاومة ما قدموا، منهم الطبيب والمهندس والأستاذ الجامعي.. قدموا أولادهم وزوجاتهم أو أحد أقاربهم في سبيل المقاومة، ثم أكملوا الطريق، بعد الفقد أو قبله، ولكن الأهم لم يكن الفقد سببا للتراجع ولا الخوف أو الانكسار.
الدكتور محمود الزهار له تجارب عدة، ولا زال يقاوم حتى الآن على جبهتين: أولاها ألم الفقد والخوف على من تبقى، والأخرى يتزعمها الإصرار والثبات، فهو لا زال يذكر تجربة تعرضه لمحاولة اغتيال حوالي الساعة العاشرة والربع صباح يوم الأربعاء 10 سبتمبر 2003م، ذكرى لا يمكن أن تمحى من الذاكرة، إذ قامت طائرة إف 16 من سلاح الجو (الإسرائيلي) بقصف منزله في حي الرمال الجنوبي في مدينة غزة فأصيب فيها.
ولكن الإصابة الأكبر كانت في القلب، حينما فقد ابنه البكر خالد في ذلك القصف، الذي تاه جسده بين الأنقاض بقذيفة يعتقد أنها كانت بوزن نصف طن، دمرت المنزل المكون من طابقين تدميرا كاملا، وبلغ عدد الجرحى 20 شخصا وتضررت 10 مبان مجاورة أخرى منها مسجد.
ولم تتوقف لوعة القلب هنا، ففي 15 يناير 2008م، استشهد ابنه الثاني حسام (22 عاماً) العضو في كتائب عز الدين القسام ضمن 18 شخصاً وأكثر من خمسة وأربعين جريحاً في غارة (إسرائيلية) شرق غزة.
عبد الفتاح دخان، له قصة مشابهة مع الفقد، ففي عام 1993 استشهد نجله القسامي المطارد طارق وأصيب في اشتباك مع القوات الصهيونية أثناء محاولته الخروج إلى مصر، وأدخل حيا لمستشفى تل "هشومير" واستشهد هناك، ثم وقع في الأسر شقيقه محمد عام 1994 عندما اصطدم بدورية صهيونية في مخيم النصيرات، وصدر حكم ضده بعدة مؤبدات.
ثم رحل ابنه زيد، الشاب الذي تربى منذ طفولته على رؤية جنود الاحتلال وهم ينبشون في زوايا البيت، يدمرون ويخربون بحثا عن أشقائه المطاردين ووالده المطلوب وكل ذلك كان سببا كافيا لأن يحاول الشاب الانتقام، فذهب مع رفاقه حاملا عبوة تزيد عن 30 كيلو جرام ليزرعها وحده في الطريق الذي تمر به آليات العدو الصهيوني، ويبدو أنه قد اكتشف بعد زرعها مما دفع قوات الاحتلال إلى إطلاق نيرانها تجاهه فاستشهد على الفور.
القائد خليل الحية استشهد نجله حمزة، تبعه، في حرب 2014، ابنه الأكبر وزوجته وثلاثة من أطفاله، في معركة العصف المأكول، حين استهدفت المدفعية (الإسرائيلية) منزل نجله أسامة الحية في حي الشجاعية شرقي غزة، ما أدى إلى ارتقائه وزوجته هالة صقر أبو هين، وأطفاله خليل وأمامة وحمزة.
أطفال وأحفاد، رحلوا دفعة واحدة بطلقة صاروخ، والمجتمع الدولي يتفرج، ولا زال الحية يقف على ذات العتبة من المبادئ، يدافع عن الوطن، ويؤمن برسالة المقاومة.
وإذا انتقلنا إلى قصة فيها الكثير من العجب، إلى مريم فرحات أم الشهداء، خنساء فلسطين التي أمسكت ابنها محمد في مطلع عام 2002 وقادته إلى عماد عقل ليتولى أمر تدريبه، ليقوم وهو ابن السبعة عشر بعملية اقتحام نال فيها الشهادة بعد أن أجهز على تسعة جنود (إسرائيليين)، في عملية اقتحام لمدرسة تدريب جنود داخل مغتصبة (عتصمونا) من مجمع مستوطنات (غوش قطيف).
ليس هذا فحسب، بل إن أم محمد سجلت مقطعا مصورا مع محمد قطعة روحها، تقبله قبلات الوداع، وهي تعلم أنه ذاهب بلا رجعة فسجّل وصيته معها، وتصورت معه بسلاحه في فيديو خاص، فكانت أول أم فلسطينية تظهر في تسجيل مصور وهي تودع ابنها متوجها لتنفيذ عملية استشهادية.
وفي قصص الفقد المزيد، فلم يكن القيادي الشهيد إسماعيل أبو شنب حيا حينما استشهد ابنه حسن في القصف الصهيوني الذي استهدف المقرات الأمنية في بداية الحرب على غزة، حيث عمل في فرقة أكاديمية الشرطة قبل خمسة شهور من حرب 2014 وكأن كرم الله سيمتد للمهندس الشهيد حتى بعد ارتقائه.
وفي تفاصيل حياة القائد أحمد الجعبري كثير من التضحيات، الوقوع والقيام في كثير من المرات، الفقد المقرون بالصبر مرة بعد مرة، فقد تعرض أحمد الجعبري لمحاولات اغتيال (إسرائيلية) عدة كانت أبرزها تلك التي نجا منها بعد إصابته بجروح خفيفة عام 2004 فيما استشهد ابنه البكر محمد وشقيقه وثلاثة من أقاربه باستهداف طائرات الاحتلال الحربية منزله في حي الشجاعية.
وظل هكذا حتى تم اغتياله لاحقاً بقصف (إسرائيلي) على سيارته وذلك يوم الأربعاء 14 نوفمبر 2012، الذي شهد حربا جديدة على غزة.
ولا زالت حماس في كل مواجهة تقدم خيرة أبنائها، وفي كل تصعيد نكتشف كثيرا من الحقائق والقصص، قصص الفقد والصبر والاستمرار والمثابرة، صبر عمره 35 عاما.