يصادف يوم الـ 18 أكتوبر من كل عام، ذكرى صفقة "وفاء الأحرار"، التي تعد أضخم عملية تبادل تمت بين كتائب الشهيد عز الدين القسام، والكيان الصهيوني من جهة أخرى، وبوساطة خارجية.
وقد بدأت تفاصيل الحكاية عندما أغار مجاهدو كتائب الشهيد عز الدين القسام، والمقاومة الفلسطينية، على موقع "كرم أبو سالم" العسكري شرق رفح، فجر الأحد 29 جمادى الأولى 1427هـ الموافق25/06/2006م، موقعين جنود الاحتلال في الموقع بين قتيل وجريح، وينسحب المقاومون ومعهم الصيد الكبير الجندي الصهيوني "جلعاد شاليط"، ويرتقى خلال العملية الاستشهاديان محمد فروانة وحامد الرنتيسي.
ضربة موجعة لم يدرك قادة العدو ما حصل فيها، وما عليهم أن يفعلوا في مواجهة ذلك الحدث الأمني الكبير، فكان تكثيف النشاط الأمني والاستخباري أحد الوسائل، واستهداف مناطق القطاع بالطائرات الحربية، وليس انتهاء بحرب معركة الفرقان البرية، التي انكفأ العدو بعدها خائباً ليتيقن أنه لا حل لتحرير جنديه المأسور سوى القبول بشروط المقاومة لإتمام صفقة تبادل.
وما جهله العدو خلال تلك المرحلة، هو ما سمح القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف "أبو خالد" بنشره، عن وحدة الظل القسامية الأكثر سرية، والتي تم إنشائها منذ سنوات عديدة وكلفت الوحدة بمهام منها
تأمين أسرى العدو الذين يقعون في أسر الكتائب، وإبقاءهم في دائرة المجهول وإحباط جهود العدو المبذولة بهذا الخصوص، إضافةً لمعاملة أسرى العدو بكرامة واحترام وفق أحكام الإسلام وتوفير الرعاية التامة لهم المادية والمعنوية، مع الأخذ بعين الاعتبار معاملة العدو للأسرى المجاهدين.
ومن شهداء الوحدة الذين شاركوا في الحفاظ على الجندي الصهيوني "جلعاد شاليط" هم القادة والشهداء الميدانيين :(سامي الحمايدة، وعبد الله علي لبد، وخالد أبو بكرة، ومحمد رشيد داود، وعبد الرحمن المباشر، بالإضافة إلى الدور الريادي للقائدة الشهداء باسم عيسى ومحمد أبو شمالة ورائد العطار).
مد وجزر ثم الاتفاق
وخلال مفاوضات مضنية ودامت لسنوات قادها الشهيد القائد أحمد الجعبري، تم التوصل إلى صفقة تبادل حيث أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" خالد مشعل في الحادي عشر من أكتوبر عام 2011م، التوصل إلى اتفاق صفقة تبادل للأسرى برعاية مصرية.
وتقضي الصفقة أن تقوم حركة حماس وجناحها العسكري بتسليم الجندي الأسير "جلعاد شاليط" الرقيب في الجيش الصهيوني، والذي أسرته المقاومة في عملية الوهم المتبدد، على أن يطلق الاحتلال سراح 1027 أسيراً فلسطينياً من السجون.
وتشمل الصفقة كل الأسيرات الفلسطينيات وعلى رأسهن الأسيرة الأردنية أحلام التميمي، كما شملت الصفقة قيادات فلسطينية تقضي محكوميات عالية في السجون الصهيونية بأحكام تصل مدتها إلى 745 عاماً.
كما أنها تتضمن الإفراج عن أقدم سجين فلسطيني محمد أبو خوصة، وأسرى من مختلف ألوان الطيف الفلسطيني، حيث ضمت الصفقة أسرى من الضفة الغربية وقطاع غزة، وأسرى من حركة فتح، وحماس، وحركة الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، وأسرى من الجولان، ومسيحيين.
وتعد هذه الصفقة أضخم ثمن دفعه الكيان في مقابل جندي واحد، كما أنها باهظة جداً من الناحية الأمنية والعسكرية، لأنها تشمل إطلاق أسرى أودوا بحياة 570 صهيونياً مغتصباً، ما حدا برئيس الوزراء الصهيوني في حينها "بنيامين نتنياهو" للقول بأن الموافقة على الصفقة هو أصعب قرار اتخذه في حياته.
يوم عيد
صبيحة الثامن عشر من أكتوبر للعام 2011، وقف كل العالم يشاهد لحظة تسطير المقاومة لانتصارها على العدو الصهيوني بتحرير أسراها مقابل الجندي الأسير "جلعاد شاليط"، وبعد أن تمترس الناس أمام شاشات التلفزة يشاهدون تسليم الجندي الصهيوني الأسير، وبعد دخول الأسرى المحررين من الجانب المصري إلى معبر رفح، انطلقت الحشود تملأ الشوارع والميادين الرئيسة احتفالاً بالصفقة وتحرير الأسرى.
وقد أنجزت الصفقة على مرحلتين، فالمرحلة الأولى من عملية تبادل الأسرى كانت صبيحة يوم الثلاثاء 18 أكتوبر، حين قام الاحتلال بالإفراج عن 477 أسيراً فلسطينياً وتسليمهم إلى الصليب الأحمر الدولي، فيما قامت كتائب الشهيد عز الدين القسام بتسليم الجندي الأسير "جلعاد شاليط" - الذي أصيب بصدمة حرب ستحرمه من خوض أي قتال مستقبلي- إلى مصر إيذاناً ببدء عملية التبادل.
وفي المرحلة الثانية أفرج الاحتلال عن 550 أسيراً فلسطينياً، في 18 ديسمبر 2011 م، استكمالاً للصفقة، توجه 505 منهم إلى الضفة المحتلة فيما توجه 41 إلى قطاع غزة، يُضاف إليهم 19 أسيرة تم الإفراج عنهن في صفقة "الشريط المصور" التي سبقت صفقة "وفاء الأحرار" بشهور.
وبإتمام صفقة تبادل الأسرى يبقى في سجون الاحتلال ما يقارب 4500 أسير، بينهم 123 أسيرًا من الأسرى القدامى، و52 أسيرًا من عمداء الأسرى -الذين أمضوا ما يزيد عن 20 عاماً في السجون- و23 أسيرا مضى على اعتقالهم ربع قرن.
ما زال الأمل
عهد قطعته كتائب القسام وعلى لسان الناطق باسمها أبو عبيدة، أنه طالما هناك أسير فلسطيني في السجون الصهيونية لن تدخر المقاومة جهداً في إخراجه.
فحالة من الترقب في السجون قد بدأت خلال حرب 2014 بالدعاء للمجاهدين أن يوفقهم الله لأسر الجنود الصهاينة، وما توجه ذلك من إعلان الناطق العسكري باسم كتائب القسام عن أسر الجندي الصهيوني "شاؤول آرون" شرق غزة، خلال معركة العصف المأكول، وما تبعته من إعلان للقسام عن بقية الأسرى الصهاينة، كل ذلك هو ثقب في خرسان السجن إلى فجر الحرية القريب للأسرى بإذن الله.
فيما كشف القسام لأول مرة خلال مهرجان انطلاقة حركة حماس الـ35 عن قطعة سلاح اغتنته خلال عملية أسر الضابط الصهيوني "هدار جولدن" في رفح عام 2014م، ليكون جزءا من غنيمة اغتنمها القسام خلال المعركة .
ويبقى أسرانا البواسل على أمل عهدوه الحقيقة بعينها، فإذا كان الوعد قسامياً كانت الفعال بديلاً للأقوال.