قائمة الموقع

القائد ناصر أبو حميد يحظى بشهادة تنجيه من عذاب السجن

2022-12-20T12:16:00+02:00
الاسير الشهيد ناصر ابو حميد خلال وجوده في عيادة سجن الرملة
الرسالة نت- رشا فرحات

انتهت الحكاية التي كتبت عشرات المرات، واليوم نكتبها من جديد، ونسأل أنفسنا من أين نبدأ، ولعل أفضل بداية هي تلك التي كانت على طاولة طعام أم ناصر أبو حميد في رمضان الماضي، حينما فردت ستة صحون لستة غائبين، شهيد وخمسة أسرى خلف القضبان بأحكام مؤبدة.

أو لعلنا نبدأ من عتبة بابها حيث تنتظر أحذية أبنائها، خالية من دعسة أقدامهم، واليوم تفقد الأمل في دعسة ناصر عائدا من حيث يجب أن يعود، ليلحق بشقيقه الشهيد عبد المنعم.

القائد ناصر أبو حميد لن يعود، لا سائرا على قدميه ولا حتى جثة ممددة للوداع والدفن، فقد ارتقى اليوم بعد رحلة مرض شاقة أجهز عليها الإهمال الطبي الممارس بحق الأسرى في سجون الاحتلال، بعد الإعلان عن إصابته بسرطان الرئة قبل أكثر من عام.

 سيحتجز الاحتلال جثمانه حسب قوانينه التي أقرت احتجاز جثامين الأسرى بعد موتهم حتى تنتهي أحكامهم، هذا يعني أن أبو حميد لا زال أمامه أكثر من خمسين عاما لينهي ما عليه من أحكام!

أما أم ناصر السيدة لطيفة أبو حميد، الملقبة بسنديانة فلسطين، فلم تعرف معنى المؤبد، ولم تؤمن بهذا البعد، كانت دائما على أمل، ولكنها في لحظة مرضه تألمت وصرخت في وجه كل متخاذل: "أنا بدي ابني، بدي ينام ويموت بحضني، بدي أدفنه في مقبرة فلسطينية وعلى أرض فلسطينية، أنا ما بسامح أي حدا خذلني في قصة ناصر".

أما في عيادات السجون، فهناك قصة أخرى. فقد نقل أبو حميد إلى عيادة سجن الرملة منذ شهر أغسطس مقيد القدمين واليدين في السرير ووقف على باب غرفته جندي (إسرائيلي) يخاف حتى من أسير يلفظ أنفاسه الأخيرة.

وبالأمس، استدعيت أم ناصر، الوحيدة التي سمح لها بالدخول لإلقاء نظرة الوداع على الجسد الذي دخل في غيبوبته، فلم يشعر بلمسات أمه التي كان يشتاق لها، ولم يسمع منها أي خبر عن إخوته الأربعة المتفرقين في السجون، من ينتظرون على أحر من الجمر خبرا من مستشفى " آساف هاروفيه " حيث يرقد جسد ناصر المغيب بعد تفشي المرض في جسده.

تاريخ طويل من الاعتقال بدأه ناصر بعمر 13 عاماً، ثم اعتقل عام 1990 بعد إصابته إصابةً بالغة برصاص الاحتلال، وحُكم عليه بالمؤبد وهو لم يتجاوز 18 عاماً، وأُعيد اعتقاله بين العامين 1996-1999 وتعرض لعدة محاولات اغتيال.

وبعد طول ملاحقة اعتقله الاحتلال في العام 2002، وبعد تعرضه لتحقيق طويل حُكم بالسجن المؤبد (7) مرّات و(50) سنة حيث كان أحد قادة الجناح العسكري لحركة فــتـح، وأحد المقربين من القائد مروان البرغوثي.

وواجه أبو حميد ظروفًا صحية قاسية على خلفية إصابته خارج السجون والإهمال الطبي داخل السجون، بالإضافة إلى ظروف التحقيق القاسية، ثم أصيب بمرض السرطان كنتيجة طبيعية لظروف الاعتقال والتحقيق والعذابات التي يعيشها المعتقلون، فأكمل الاحتلال إهماله بعد الإعلان عن إصابة أبو حميد في عام 2021 بسرطان الرئة.

قتل أبو حميد قتلا بطيئا، بعد أن ماطل الاحتلال بعلاجه كما يقول المتحدث باسم هيئة شؤون الأسرى حسن عبد ربه: "بعد الإعلان عن اكتشاف ورم في رئة أبو حميد في آب 2021 طالبنا بإعطائه فرصة للعلاج، ولكننا كنا نتلقى وعودا دون تنفيذ".

وماطل الاحتلال لأكثر من شهرين في الموافقة على العلاج الكيماوي، وتأخر شهرين يشكل فرقا كبيرا في حالة مريض بالسرطان، وبعد الفحوصات قدّر الأطباء العمر الافتراضي لأبو حميد من ستة أشهر إلى سنة.

لم يعد ناصر قادرا على المزيد من الإشعاعات، وقد أصيب بانتكاسات نقلته من عيادة الرملة الى مستشفى مدني، كما يضيف عبد ربه.

مارس الاحتلال على أبو حميد هواية المماطلة والقتل البطيء، في نقله بين المستشفيات وعيادة الرملة وهو في حالة خطرة، فعيادة الرملة كما يوضح عبد ربه ليست مستشفى، لا يوجد فبها عناية مكثفة ولا غرفة عمليات، فهي عبارة عن غرفة بأسرة مرصوصة، تفتقد لمقومات العلاج الحقيقي، وهكذا كان ينقل أبو حميد بين اليوم والآخر للمستشفى لتلقي العلاج، ثم يعود في نفس اليوم لعيادة سجن الرملة.

 مرة يدخل القائد أبو حميد في غيبوبة جراء انخفاض دقات القلب، ومرة أصيب بتلوث نتيجة خطأ طبي أثناء العملية أدى لدخوله في غيبوبة، لكن هذا لم يمنع الاحتلال من إكمال سلسلة العذاب في إعادته لعيادة الرملة.

وقبل أيام قليلة فقط، وحينما وصلت حالته لآخر مراحلها، بعد أن أصيب بغيبوبة مفاجأة نُقل إلى مستشفى "آساف هاروفيه" ثم أُعيد في ذات الليلة لعيادة سجن الرملة وهذا النقل المستمر لمريض في هذه الحالة هو تعذيب، كما يؤكد عبد ربه.

أم ناصر أبو حميد ستنام الليلة على فراش من جمر، لأنها لن تستطيع أن تدفن ناصر، ولأن في قلبها أربعة نوافذ مفتوحة على العذاب.. أشقاؤه نصر وشريف ومحمد وإسلام، الأسرى المحكومون بالمؤبدات، الذين يعرفون معنى الموت الحقيقي دون أن يقول أي منهم وداعا يا ناصر.

اخبار ذات صلة