كثرت في الآونة الأخيرة التهديدات والإعلانات والتقارير العسكرية والتسريبات الأمنية التي تتحدث عن اقتراب موعد تنفيذ هجوم عسكري إسرائيلي على منشآت إيران النووية، والتي كان آخرها موافقة الرقابة العسكرية الإسرائيلية على نشر محتوى تقرير يشير إلى مواصلة سلاح الجو الإسرائيلي في سعيه لتخطى الكثير من العقبات الاستخباراتية ورفع قدرات القوات الجوية للوصول إلى الأهداف الحساسة والمركزية في إيران.
كما أن لهجات التهديد والوعيد والضجيج الإعلامي لم تتوقف، ويأتي ذلك كله في سياق الخوف الوجودى لدى الصهاينة، والواقع السياسي المتراجع، إضافة للأزمات الداخلية التي تعصف بالبنية السياسية والعسكرية والأمنية والاجتماعية للكيان وخصوصًا أن الأزمات والانقسامات بين المتدينين والعلمانيين قد طالت القاعدة الأساسية للكيان (بوتقة الصهر)، وحدة وتماسك المجتمع، والأهم من ذلك كله (الجيش الإسرائيلي).
"فإسرائيل" التي أنهت في مايو 2022م أضخم وأهم مناوراتها، التي شملت كل قدراتها العسكرية المختلفة، وحملت اسم (عربات النار)، فقد شاركت فيها مئات الطائرات القتالية وقوات الجيش النظامي والاحتياط وقوات النخبة والقوات البحرية بأنواعها (بوارج وسفن حربية وحاملة صواريخ وغواصات)، حيث كانت تحاكى هذه المناورات حربًا شاملة وعلى عدة جبهات معاً.
تسعى "إسرائيل" من خلال تلك المناورات للترويج لحالة الخطر الشديد والتهديد الوجودي لها من قبل إيران، بالإضافة إلى أنها تعكس حالة الخوف التي يعيشها الكيان من سيناريو الحرب مع إيران، وعدم الجاهزية الواقعية للجيش لخوض مثل هذه الحرب، بالإضافة لعدم قدرة الجبهة الداخلية على تحمل حرب واسعة وشاملة بهذا الشكل، فالمناورة مهما كان حجمها وإمكانياتها ليست كما في الواقع، إضافة إلى الاستراتيجية العسكرية التي يتبعها جيش الاحتلال في كل المعارك التي خاضها منذ نشأته، والمتمثلة بالحرب الخاطفة والقصيرة ونقل المعركة لأرض الخصم، وذلك لضعف جبهته الداخلية، وعدم قدرتها على تحمل الحروب في داخل كيانه.
لكن الأمر هنا مختلف بشكل جوهري، فإيران لديها صواريخ بالستية وطائرات انتحارية تستطيع من خلال أراضيها ضرب 80% من المساحة السكانية في عمق الكيان، واستهداف كثير من الأهداف العسكرية الحساسة، بالإضافة إلى القدرات التكنولوجية والعسكرية الواسعة التي تمتلكها إيران، وخصوصاً في المنظومات الصاروخية المتطورة والدقيقة.
أما حزب الله فهو يمتلك وفق التقارير الأمنية للكيان ما يقرب من 150 ألف صاروخ ما بين طويل ومتوسط المدى، وهذه الإحصائية كانت في السنوات الماضية، ولا أحد يعلم ما هي الأعداد والنوعيات الحالية لديه من الصواريخ، بالإضافة لقدرات تسليحية أخرى كمسيرات انتحارية والصواريخ المضادة للطائرات وغيرها، والأهم من ذلك كله وجود حزب الله الذراع الأقوى لإيران على التماس مع العدو.
هذا بالإضافة لغزة التي سيكون لدخولها في هذه المعركة ستؤدي تأثير هام وقوي، ويليها أيضًا الضفة الغربية الأقرب والأصعب من الناحية الاستراتيجية، وكذلك فلسطينيو الداخل، والذين يعتبرهم العدو الدائرة الأخطر والخاصرة الرخوة في سيناريوهات الحرب القادمة.
وحتى نؤكد أو ننفي قدرات (إسرائيل) على ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وبالتالي نشوب حرب واسعة ومفتوحة لابد من دراسة الواقع الدولي والإقليمي والمحلي:
1. الواقع الدولي: لا تسمح الظروف والأحداث الدولية القائمة وخصوصاً الحرب الروسية الأوكرانية التي أخذت المساحة الأكبر من التركيز والجهود الدولية بهذا السيناريو، فحرب واسعة قد تغير مجرى الأحداث في المنطقة وتؤثر على التحالفات والمصالح الأمريكية، بالإضافة إلى الرغبة السابقة للأخيرة بعدم اللجوء للحل العسكري مع إيران، واستبداله بالمفاوضات النووية.
في عام 2015م عهد الرئيس أوباما تم توقيع الاستمرار بالمفاوضات النووية التي هي من وجهة النظر الغربية والأمريكية تقيد وتؤخر إيران في أن تصبح دولة نووية، ويضمن لإسرائيل عدم تعرض أمنها للخطر الإيراني.
2. الواقع الإقليمي: إن المنطقة والقواعد الأمريكية حاليًا تحت المرمى، وإن ضرب إيران من خلال حرب واسعة قد يشكل خطرًا على مصادر النفط الخليجي، ويزيد من توسع رقعة الأطراف المشاركة في المعركة، وبالتالي سيزيد من توسيع حجم تحالفات إيران في المنطقة، وربما يقطع الطريق على إنجازات التطبيع التي بذلت فيه دولة الكيان جهدًا وسنوات كبيرة لتحقيقها.
3. الواقع المحلي: إن إسرائيل التي لم تستطيع بنصف جيشها أن تخمد الانتفاضة في الضفة الغربية، وباتت وتشعر بالعجز، وهي تحتاج إلى أن تزيد في الكتائب العسكرية الداعمة في الضفة لسد العجز وضمان السيطرة الأمنية هناك ليست لها طاقة وقدرة حاليًا على أن تخوض حربًا تشارك فيها كل الأطراف والاذرع الإيرانية.
الخلاصة:
بناءً على القراءة السابقة المختصرة لكل الأطراف، فإن مسألة إقدام الاحتلال الصهيوني على ضرب المفاعل النووي، وبالتالي نشوب حرب واسعة هو أمر مستبعد، وضعيف الحدوث في الوقت الحالي، وعوضاً على ذلك ستستمر إسرائيل بحربها متعددة الأطراف تجاه المصالح الإيرانية، والمتمثلة باغتيال الخبراء وحرب التعطيل الإلكتروني للمنشآت النووية، والاستمرار في دعم وتدريب المعارضة الإيرانية لشن عمليات داخل إيران، واستمرار عملية التحريض وإثارة القلاقل في الداخل الإيراني، والتي تهدف في مجملها لإسقاط إيران وإضعافها من الداخل.