قبل اربعة عشر عامًا خرجت غزة من قلب الظلام ومن بين الركام، خرجت تنفض غبار الموت، تقاتل بجناحها المقاوم، وتلملم جراحها بما تبقى من عنفوان الثورة والغضب. خرجت تصارع وتضرب وتقاتل، وتفترس عدوها، بضربات أعادت النبض، وأنعشت الدماء، وتدفق بين شوارعها الأمل كما تدفقت مواكب الشهداء.
في ذاك اليوم راهن من باعوا الوطن على إلقاء غزة خلف البحر، ووأدها في مقابر الأرقام، وجعلها نموذجًا لكيفية استعادة هيبة جيش الاحتلال ومكانته بين جيوش العالم، بعد أن تلطخ "الجيش الذي لايقهر" بالعار، وسُقي بنار الهزيمة على حدودها الشرقية، وفي لج بحرها، وفي قلب أنفاقها، وبعد أن أصبحت الأرض مأوى لأربعة ملايين من المستوطنين يختبؤون من غضب السماء، التي أمطرت على رؤوسهم السجيل، وعطار، وعياش.
أحيَت المقاومة من جديد المشروع الوطني، ورسمت خارطة جديدة للثورة الفلسطينية بعد أن فشلت منظمة التحرير في الحفاظ على مكانتها كممثل عن القضية الفلسطينية وخسرت كل شيء، وباتت ترزح بين استجداء التفاوض والعودة إلى أوسلو، بل والبقاء على حالها المفكك للحصول على امتيازاتها التي نالتها على من دماء الشهداء والمعتقلين والمكلومين، في ظل تنازلها الكامل عن حقوق الشعب الفلسطيني، وعن حق مقاومة الاحتلال في الضفة التي باتت تشكل هاجسًا مرعبًا للعدو الصهيوني في خضم الاشتباك الدائم والمشاغلة اليومية لجيش الاحتلال ومستوطنيه.
نجحت المقاومة في بناء الفكر والعقيدة والنهج لجيل حاول الاحتلال اختطافه ووضعه تحت مطرقة كي الوعي، واستنزاف إرادته، وضرب معتقداته الفكرية والوطنية، في إطار معركة كي الوعي التي فشل بها العدو، ولم يحقق منها أي نتائج على المستوى الاستراتيجي، فيما استثمرت المقاومة اخفاقات الاحتلال في كل مراحل الصراع سيما مراحله الأخيرة التي بدأت منذ مطلع انتفاضة الأقصى عام 2000 والتي كانت مدخلاً لصياغة جديدة لمشروع المقاومة.
وما زالت تسجل المقاومة ومنذ ذاك الوقت الانتصارات، رغم ضعف توازن المواجهات المسلحة، إذ فرض القسام قواعد اشتباك جديدة.. قواعد لم تكن في حسابات الاحتلال ومنظومته الأمنية، لأنها شكلت صدمة جديدة لجنرالات الحرب الذين اعترفوا بإخفاقهم في ردع المقاومة، وفشلهم في تحقيق الانتصار في معظم جولات القتال.