تعد منصة "تويتر" (Twitter) إحدى أكبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أُسست عام 2006، ووصلت اليوم إلى أكثر من 100 مليون مستخدم نشط، وتُنشر عليها أكثر من 500 مليون تغريدة يوميا، لكن في الآونة الأخيرة بدأت تويتر تعاني تخبطات واستقالات عدة، أدت إلى النزول تحت حاجز الـ100 مليون مستخدم، بخسارة العديد منهم بسبب السياسة التي يتبعها مالك المنصة الجديد، الملياردير إيلون ماسك.
استحواذ ماسك على تويتر.. تطوير أم تدمير؟
استحوذ ماسك على تويتر يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ومنذ تسلمه الشركة بدأ بتطبيق قوانينه وفرض آرائه؛ فلم يضيع ماسك أي وقت في التعرف على طريقة المسؤولين في إدارة المنصة عند تولي مهامه، بل بدأ عهده الجديد بإقالة العديد من المديرين التنفيذيين، ومن بينهم الرئيس التنفيذي السابق باراغ أغراوال، والمدير المالي نيد سيغال ورئيسة الشؤون القانونية والثقة والسلامة فيجايا جادي، في الوقت نفسه.
هذا التغيير في إدارة إحدى أكبر منصات التواصل الاجتماعي -التي لها تأثير كبير في عدة مجالات مثل الاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا- يجعل المراقبين يتحسسون الخطر الذي قد يجلبه وصول شخصية كبيرة مثل ماسك لموقع بحجم تويتر، مما يجعل سماء المنصة ملبدة بالغيوم، منذرة بهجرة جماعية.
هجرة المغردين تهدد العصفور الأزرق
وأظهرت بيانات تابعة لشركة "إنسايدر إنتليجنس" (Insider Intelligence) -التي تعمل على دراسة أبحاث السوق- أن تويتر قد يفقد أكثر من 30 مليون مستخدم في العامين المقبلين، بعد تولي ماسك زمام الأمور.
وتتوقع الدراسة أن يخسر تويتر نحو 4% من مستخدميه عام 2023، و5% في العام التالي، مما يعني أن أكثر من 32 مليون مستخدم سيغادرون المنصة، وفقا لتوقعات إنسايدر إنتليجنس التي تتعقب المنصة منذ عام 2008، وترى أن المستخدمين سيتخلون عن المنصة بسبب المشكلات الفنية المتزايدة وزيادة خطاب الكراهية وانتشار المحتوى البغيض أو غير المرغوب فيه.
ومن المتوقع أن يفقد موقع تويتر عددا أكبر من المستخدمين في الولايات المتحدة أكثر من أي دولة أخرى، حيث يُتوقع أن تنخفض الأرقام من 58.7 مليونا عام 2022 إلى 50.5 مليون بحلول نهاية عام 2024، بسبب سياسة ماسك التي لا تعجب كثيرين، وقال التقرير إن معظم المغادرين سيكونون دون 25 عاما وأكثر من 45، لأنهم ليسوا مخلصين بما فيه الكفاية وأقل استعدادا لتحمل تجربة مهينة، حسب وصف التقرير.
ولكن هناك من يرى أن المنصة لديها قاعدة جيدة من المستخدمين المخلصين الذين لا يمكنهم المغادرة، ولا يمكن لماسك إجبارهم على ذلك كما فعل مع موظفيه.
استقالة الموظفين من تويتر
بدأت تويتر بخسارة موظفيها بعد أن طرد ماسك مؤخرا عشرات الموظفين الذين انتقدوه أو سخروا منه في تغريداتهم، حدد ماسك بعد ذلك موعدا نهائيا لجميع الموظفين للرد على رسالته، إذ أرسل رابطا وإنذارا نهائيا للموظفين، وأي موظف لم يوافق على ما تضمنه الخطاب، فسيكون ذلك بمثابة نهاية مسيرته مع تويتر وسيحصل على مكافأة نهاية الخدمة على 3 أشهر.
وبقي لدى تويتر نحو 2900 موظف بعد الموعد النهائي للإنذار من ماسك، وذلك بسبب إقالة ماسك -بشكل غير رسمي- نحو نصف القوى العاملة البالغ عددها 7500 شخص، بعد توليه المنصب.
ويظن البعض أن تأثير هذه الاستقالات على المنصة سيكون آنيا فقط، إذ إن المنصة وماسك معنيان بشكل كبير بتعويض الكفاءات التي أقيلت أو استقالت، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه أين ستذهب هذه الكفاءات.
موظفوك هم منافسوك الجدد
وبعد إقالة ماسك لكل من ألفونزو فونز تيريل وديفاريس براون خلال فترة التسريح الجماعي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يعمل الموظفان السابقان على منصة وسائط اجتماعية تسمى "سبل" (Spill) ويروجان لها لتكون بديلا لتطبيق تويتر.
ويقولان إن هذا التطبيق سيلبي احتياجات "رواد الثقافة" وسيكون ملجأ للهاربين من سياسات تويتر الجديدة. وأضاف مبتكرا المنصة أن الهدف منها أن تكون "منصة محادثة في الوقت الفعلي تضع الثقافة في المقام الأول". وكشف المؤسسان عن أن المنصة ستُطلق مطلع العام المقبل.
وكان تيريل يشغل منصب رئيس عالمي للشؤون الاجتماعية والتحريرية في تويتر، أما براون فكان يعمل مدير منتجات في تويتر مع تركيزه الأساسي على التعلم الآلي.
الكعكة لم تعد لماسك وحده
ربما يلوم العديد من مستخدمي تويتر والموظفين جاك دورسي لقيامه ببيع المنصة لماسك، ولكن يبدو أن دورسي توصل إلى أن "الطائر الأزرق" يلفظ أنفاسه الأخيرة.
واقترح دورسي مؤخرا أن يكون هناك بروتوكول وسائط اجتماعية مجاني ومفتوح لا تملكه أي شركة أو مجموعة شركات. وأضاف أن هذا البروتوكول يسمح للمستخدمين ببناء واختيار الخوارزميات الخاصة بهم حسب عاملين، هما الاعتدال والأهمية، ولن يخضع لسيطرة الشركة أو الحكومة.
وقال دورسي إن "أخطاء ارتكبت في السابق، وتويتر ستكون في وضع أفضل اليوم إذا ركزت الشركة بشكل أكبر على الأدوات للأشخاص الذين يستخدمون الخدمة، بدلا من الأدوات الخاصة بنا".
وتابع أن "المشكلة اليوم هي أن لدينا شركات تمتلك البروتوكول واكتشاف المحتوى؛ وهو ما يضع شخصًا واحدًا -في نهاية المطاف- مسؤولا عن قرار النشر أو الحذف".
واستشهد دورسي بمشروع "بلوسكاي" (Bluesky) وهي منظمة غير ربحية أطلقتها تويتر، إضافة إلى "ماستدون" (Mastodon) و"ماتريكس" (Matrix) بوصفها مشاريع ناشئة يمكن أن ترقى إلى مستوى رؤيته لما يشكل بروتوكولًا مجانيا ومفتوحا لوسائل التواصل الاجتماعي.
وقال إنه سيقدم منحًا لمشاريع واعدة، بدءًا من مليون دولار لتطبيق "سيغنال" (Signal) وهو تطبيق مراسلة مشفر.
هذه الأموال التي ستساعد هذه المشاريع الناشئة هي العامل الحاسم في نجاح أو فشل مشروع ماسك ولهذا يسعى الأخير لبناء تطبيق "إكس" (X) أو كما يعرف "تطبيق كل شيء".
مغامرة ماسك قد تجعل تويتر "تطبيق كل شيء" أو لا شيء
يحظى مفهوم "تطبيق كل شيء"، الذي يشار إليه غالبًا باسم "التطبيق الممتاز" (Super Application) بشعبية كبيرة في آسيا، وحاولت شركات التكنولوجيا في جميع أنحاء العالم تكراره.
ويقدم هذا التطبيق مجموعة من الخدمات للمستخدمين مثل المراسلة والشبكات الاجتماعية والمدفوعات والتجارة الإلكترونية.
وتُستخدم هذه التطبيقات الضخمة على نطاق واسع في آسيا، لأن الهاتف المحمول هو الشكل الرئيسي للوصول إلى الإنترنت للعديد من الأشخاص بالمنطقة، حسب ما كتبه سكوت غالواي أستاذ التسويق في جامعة نيويورك العام الماضي.
ويمتلك التطبيق الصيني الخارق "وي شات" (WeChat) أكثر من مليار مستخدم شهريًا، وفقًا لأحدث التقديرات، وهو موجود في كل مكان من الحياة اليومية بالصين. ويمكن للمستخدمين من خلاله طلب سيارة أجرة أو إرسال الأموال إلى الأصدقاء والعائلة أو إجراء مدفوعات في المتاجر.
وإضافة المزيد من الأدوات والخدمات إلى تويتر قد تساعد ماسك في الوصول إلى أهداف النمو للشركة. وخلال جلسة الأسئلة والأجوبة مع الموظفين، قال إنه يريد أن ينمو موقع تويتر من 237 مليون مستخدم إلى "مليار على الأقل".
ويحتاج ماسك هذه الأرقام ليستطيع استخراج 1.2 مليار دولار على الأقل، وهي قيمة الفائدة السنوية على القرض البالغ 13 مليار دولار التي اقترضها ماسك من أجل تمويل جزء من صفقة تويتر، وهذا المبلغ أكبر من أرباح تويتر لعام 2021 بأكمله.
تويتر وشتاء ماسك القاسي
يحل هذا الشتاء على "العصفور الأزرق" ثقيلا وقاسيا، فالعواصف التي بدأت مبكرا لن تهدأ وهجرة المستخدمين لم تبدأ بعد، فحتى بعد إغلاق حسابات بعض الصحفيين وتهديد الاتحاد الأوروبي وجمعيات حقوقية لتويتر بسبب هذه الخطوة، لم نر النزيف الحاد للمغردين، ولكن هذا لا يعني أن مستخدمي تويتر يشعرون بالأمان على المنصة كما لا يعني أنهم لا يقومون بتجربة منصات أخرى، وهو الأمر الذي إن حدث، فسيكون نهاية حتمية لمنصة كبيرة.
ولكن هناك أسئلة مهمة قد تأتي الأيام والأشهر المقبلة بإجابات لها وهي:
- هل خسر ماسك -وهو المشهور بذكائه الاقتصادي- إحدى أهم صفقاته؟
- هل هي خطوة استراتيجية في حرب كبرى؟
- هل ستظهر الأيام القادمة الحرب التي ضحى لأجلها ماسك بالطائر الأزرق ليربحها؟
المصدر : مواقع إلكترونية