عادة في مثل هذه الأيام يتجهز الطلبة للامتحانات النهائية للفصل الأول قبل إجازة الشتاء، فيتسابقون للحصول على أعلى الدرجات، لكنّ آدم عياد – 14 عاما- من مخيم الدهيشة – بيت لحم- سبقهم وحصل على شهادته فكانت الأولى مع مرتبة الشرف.
لم يحتمل "آدم عياد" البعد عن صديقه الشهيد "عمر مناع" الذي ارتقى بداية الشهر الماضي، فجاوره صباح اليوم شهيدا، فرغم صغر سنه يدرك معنى الوطن والشهادة، واتخذ من الشهيد إبراهيم النابلسي قدوة ونهجا سار عليه.
بمجرد الإعلان عن استشهاد عياد برصاص الاحتلال، ظهرت وصيته التي كتبها بخط يده لتحمل كلمات قليلة بصيغة رجل كبير يدرك تفاصيل الوطن جيدا، قال فيها: "مبسوط كثير أنه ربنا حقق لي حلما من أحلامي وهو الشهادة.. الشهادة مش موت الشهادة انتصار وفخر للعالم كله، حدّدوا بوصلتكم ووجهوها على الاحتلال".
ومضى يكتب بحروف الواثق قائلا: "كما قالها النابلسي "نفسي الناس كلها تصحصح" وأنا مني بقولكم حددوا بوصلتكم ووجهوها على الاحتلال وبتمنى من ربنا ينهي الجواسيس".
بكته والدته كثيرا خاصة وهي تستذكر ساعاته الأخيرة حين كان برفقتها وطلب منها أن تعد له أكلته المفضلة "الكوسا باللبن".
وهي تشيع جثمان وحيدها تذكرته وهو يقول لها إن خالته "زعلانة" لأنه لم يزرها منذ وقت، ووعد أمه أنه سيأخذ إجازة ليقضي وقتا مع عائلته.
أما والده فبقي بعيدا لدقائق يراقب صغيره الذي غدا شابا وشهيدا أيضا، لا يريد أن يصدق هذه اللحظة، ثم بخطوات ثقيلة وصل لنعشه ونظر إليه واحتضنه وهو يقبله ويترحم عليه.
لم يصدق أن "آدم" الصغير الذي كان يذهب به إلى الدكان لشراء الحلويات، بات فتى ثائرا يمقت الاحتلال ويعي جيدا قيمة الوطن رغم كل المغريات المتاحة أمامه كبقية أبناء جيله.
بعدما ودع الأقارب والجيران والمعارف الفتى الشهيد ذو الشعبية الكبيرة، حملوه على الأكتاف يجوبون به مخيم الدهيشة وهم يرددون "ابنك يا دهيشة شهيد .. ضحى بدمه قبل العيد" وجوه المشيعين هذه المرة غاضبة رغم أنهم اعتادوا أن يفيقوا كل صباح على خبر عملية بطولية أو شهيد جديد، لكن يبدو واضحا أن محبة "آدم" كبيرة في قلوبهم فهو صاحب السنوات القليلة والأفعال الكبيرة.
هنا في فلسطين المحتلة قصص الشهداء في ظاهرها تشبه بعضها لكن حين نتعمق في التفاصيل فإن لكل شهيد حكاية توثق تاريخ بلد قاوم المحتل أكثر من سبعة عقود، ومهما قدم لهم من مغريات للحياة طلبوا الشهادة فنالوها ايمانا بالوطن وضرورة تحرره.
اليوم في الدهيشة أعلن الحداد وأجلت الامتحانات يوما، لكن تم تبليغ مدير مدرسة الشهيد أنه سيتغيب عن بقية الامتحانات وعلى المعلم أن يضع ما يراه مناسباً من درجات تليق بقدره الذي سبق علمه.
يذكر أنه باستشهاد "ادم" يرتفع عدد شهداء العام 2023 إلى ثلاثة بعد ارتقاء اثنين فجر أمس في كفر دان غرب جنين.