بتاريخ 7/1/2023، قررت حكومة اليمين الفاشي العنصرية في دولة الاحتلال فرض عقوبات جزئية على السلطة الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني على أثر توجه السلطة إلى محكمة العدل الدولية لطلب رأي استشاري من المحكمة حول المركز القانوني للاحتلال الإسرائيلي وجرائمه في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتزامات الدول والمنظمات الدولية والأمم المتحدة إزاء إنهاء الاحتلال ووقف انتهاكاته الجسمية للقانون الدولي الإنساني ومعايير حقوق الإنسان وقرارات الشرعية الدولية في الأراضي الفلسطينية ، حيث تزامن التصويت في الجمعية العامة على طلب الإحالة إلى محكمة العدل الدولية مع قدوم الحكومة اليمينة الأكثر تطرفا وفاشية وعنصرية في دولة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو والتي تضم اقطاب اليمين الفاشي في دولة الاحتلال على رأسهم بن غفير وسوتمرش ، حيث تم الإعلان عن جملة من التوجهات والمخططات الهادفة الي ضم أجزاء واسعة في الضفة الغربية وتسريع وتيرة الاستيطان الاستعماري في الضفة الغربية وتعزيز تهويد مدينة القدس وفرض التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى بما يعني تغيير الوضع التاريخي والقانوني للأماكن المقدسة إضافة إلى فرض عقوبات على الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال ، ومجموعة من الإجراءات العنصرية بحق المواطنين الفلسطينيين في مناطق 48 عدا عن اضعاف السلطة الفلسطينية وسن مزيدا من التشريعات العنصرية الهادفة إلى تسهيل تنفيذ مخططات الحكومة الفاشية .
وتأتي هذه الورقة للمساهمة في توضيح ابعاد ومخاطر العقوبات والإجراءات الإسرائيلية من قبل حكومة اليمين الفاشي على الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية عدا عن تحليل ردود الفعل الفلسطينية والعوامل المختلفة المؤثرة فيها ومواقف الأطراف المختلفة والسناريوهات المتوقعة والخطوات المطلوبة لمواجهة السياسات والمخططات الإسرائيلية.
أولا: فرض دولة الاحتلال الإسرائيلي عقوبات على السلطة والفلسطينيين
افتتحت حكومة الاحتلال الإسرائيلي العام بتنفيذ أول سياساتها بإعدام أربع مواطنين في الضفة الغربية، إضافة الي السماح باقتحام وزير الأمن القومي المتطرف بن غفير للمسجد الأقصى، واتخاذ جملة من الانتهاكات بحق الأسرى في سجون الاحتلال، عدا عن تسريع وتيرة الاستيطان ، وتهويد مدينة القدس ، واستمرار الحصار على قطاع غزة ، فقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية المتطرفة يوم 7-1-2023 فرض عقوبات على السلطة على أثر توجه السلطة إلى محكمة العدل الدولية وعقب أدانه دولية واسعة لاقتحام الوزير المتطرف بن غفير لباحات المسجد الأقصى وتهدف العقوبات إلى اضعاف السلطة ومنعها من استكمال التوجه إلى المنظمات الدولية لمسائلة دولة الاحتلال الإسرائيلي ، وتمثلت رزمة العقوبات التي تم الإفصاح عنها في :
1- اقتطاع مبلغ 40 مليون دولار لتعويض الإسرائيليين الذين تضرروا من عمليات المقاومة الفلسطينية، إضافة الي الاستمرار في اقتطاع مبلغ 171 مليون دولار على مدار العام والتي تمثل مجموع ما تنفقه السلطة لدعم الأسرى وذويهم وأسر الشهداء بناء على قرار الحكومة الإسرائيلية عام 2018 بناء على إقرار الكنيست الإسرائيلي خصم ما يعادل مستحقات الأسرى وأسر الشهداء والجرحى.
2- منع تصريح البناء في مناطق "ج" في الضفة الغربية
3- سحب التصاريح الخاصة بتنقل بعض المسؤولين الفلسطينيين وخاصة المسؤولين عن قيادة التحركات الدولية ومن بينهم وزير الخارجية د. رياض المالكي، ومندوب فلسطين في الأمم المتحدة د. رياض منصور، مشرف لجنة التحرك الدولي د. زياد أبو عمر، ولاحقا أعلن عن سحب تصاريح ثلاثة من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح الذي زاروا الأسير كريم يونس الذي أفرج عنة يوم 5-1-2023 بعد أن أمضي 40 عام في سجون الاحتلال.
4- الإعلان عن معاقبة المنظمات الحقوقية والإنسانية التي تقوم برصد وتوثيق متابعة انتهاكات وجرائم الاحتلال الإسرائيلي مع الأجسام الدولية.
ولعل العقوبات التي تم الإشارة إليها هي غيض من فيض مما هو قادم من عقوبات ومخططات تنوي الحكومة الإسرائيلية تنفيذها في مواجهة الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس ومناطق 48 وبحق الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال.
ثانيا: ابعاد واهداف السياسيات الإسرائيلية
مما لاشك فيه بان حكومة دولة الاحتلال هي الأكثر فاشية وعنصرية وإرهاب وقد افصحت عن نواياها وبشكل علني في استهداف المجتمع الفلسطيني ككل دونما اكتراث بالقانون الدولي أو قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية وحتى دون مراعاة أي اتفاقيات موقعة مع السلطة، عدا عن ان التباينات داخل الحكومة الإسرائيلية الحالية والتي تنعقد بين يمين متطرف ويمين فاشي ديني اكثر تطرفا يهدف إلى فرض أشد العقوبات على السلطة والفلسطينيين في اطار مقاربة حسم الصراع وبين تيار في الحكومة يرى انه من المبكر انفاذ مثل هذه الخطوات بما فيها اضعاف او حل السلطة الفلسطينية الأمر الذي يفسر جملة الإجراءات والعقوبات التي أعلنت عنها دولة الاحتلال الإسرائيلي والتي مهدت لهذه الخطوات عبر اتصالات أمنية مع السلطة ومطالبتها بالتفكير مليا قبل الاقدام على أي خطوات تمس بدولة الاحتلال الإسرائيلي في اطار منع السلطة من متابعة مسار التحرك السياسي والدبلوماسي الهادف إلى فضح ومتابعة جرائم وانتهاكات الاحتلال مع المجتمع الدولي من ناحية وضمان الضغط علي السلطة لقبول سياسيات الأمر الواقع التي يفرضها الاحتلال عدا عن استمرار قيامها بالوظيفة الأمنية المتمثلة في المساهمة في حفظ أمن الاحتلال الإسرائيلي عبر استمرار التنسيق الأمني بما يساهم في الحد من عمليات المقاومة المتصاعدة في الضفة الغربية.
ولعل ذلك ما يفسر عدم فرض عقوبات على الرئيس ومدير عام جهاز المخابرات ووزير الشؤون المدنية عدا عن المسؤولين الأمنيين في السلطة وبهدف الإبقاء على العلاقات الأمنية وبقاء تحمل السلطة لأعباء السكان في الأراضي الفلسطينية.
كما ان سياسة دولة الاحتلال تعتمد مقاربة الانتقام وإدقاع الفلسطينيين ثمن نضالهم العادل من أجل تقرير المصير ، عبر فرض العقوبات الجماعية بهدف الضغط على الشعب الفلسطيني من خلال العقوبات الاقتصادية والتي تتمثل في الاستمرار في حجز وقرصنة أموال المقاصة بل وزيادة نسب الاقتطاع من الأموال الفلسطينية بشكل يحول دونما قدرة السلطة على الوفاء بالتزاماتها إزاء موظفيها وإزاء المواطنين الذي باتوا عاجزين عن تحمل مزيد من الأعباء والقيود والعقوبات الاقتصادية ، عدا عن تداعيات العقوبات على الاقتصاد الفلسطيني الذي يعاني من تحكم الاحتلال في كل مفاصلة وانعكاسات ذلك على حياة الفلسطينيين الإنسانية وقدرتهم على التمتع بالحد الأدنى للعيش بكرامة .
كما يمكن ارجاع أهداف العقوبات الإسرائيلية في نجاحها سابقا في اثناء السلطة عن القيام بملاحقة قادة دولة الاحتلال وابقاء السلطة في حالة خشية دائمة من مزيد من العقوبات التي يمكن أن تفرضها دولة الاحتلال عليها إضافة إلى القيود التي فرضها اتفاق أوسلو على السلطة الفلسطينية، فاستراتيجية التفاوض والشراكة التي تتبعها السلطة الوطنية الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي، منح إسرائيل والدول الكبرى في العالم فرصة للضغط على السلطة إذا قامت بممارسة أي إجراءات لمواجهة الاحتلال على المستوي الدولي على اعتبار عدم الاخلال بالعملية التفاوضية، الأمر الذي جعل السلطة في حالة ترقب دائم لمخرجات الانتخابات الإسرائيلية او الأمريكية وعدم القطيعة مع الاحتلال والتفكير الدائم في إدارة العلاقة مع الاحتلال.
ثالثا: ردود الفعل الفلسطينية إزاء العقوبات الإسرائيلية
وفي ردها على العقوبات الإسرائيلية عدا عن وصفها بأنها غير قانونية وإرهاب دولة منظم ، فقد تعهدت الرئاسة الفلسطينية وعلى لسان المتحدث باسمها نبيل أبو ردينة بمواصلة النضال السياسي والدبلوماسي والقانوني "لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية".كما طالب أبو ردينة الإدارة الأميركية التحرك الفوري لوقف العقوبات و التهديدات الإسرائيلية المنافية لجميع قرارات الشرعية الدولية، محذر من ان حكومة الاحتلال المتطرفة تسعى للتصعيد وجر المنطقة إلى حافة الانفجار، مطالبا بموقف دولي حازما تجاه هذا الانفلات الإسرائيلي، أما الخارجية الفلسطينية فأكدت انها ورغم إجراءات الاحتلال ستواصل قيادة الحراك الدبلوماسي والقانوني الفلسطيني ضد إسرائيل، كون الحقوق الفلسطينية "غير قابلة للمساومة.
بدورها، أدانت حركة حماس وباقي القوي الفلسطينية والمنظمات الحقوقية العقوبات الإسرائيلية التي تهدف لإثناء الفلسطينيين على متابعة التحركات الدولية الهادفة لمحاسبة وعزل دولة الاحتلال ودعت إلى عدم الرضوخ لابتزاز وتهديدات الاحتلال.
وبالرغم من الاجماع الفلسطيني على أهميته على رفض وإدانة عقوبات وجرائم حكومة دولة الاحتلال الفاشية ، الا ان الاكتفاء بالإدانة والشجب لن يفيد الفلسطينيين بل سيعطي دولة الاحتلال إشارة واضحة على ضعف الفلسطينيين وقدرتهم على مواجهة هذه السياسيات وبالحد الأدنى سوف يسمح لدولة الاحتلال بتمرير مخططاتها وسياساتها العنصرية والإجرامية طالما بقت ردود الأفعال الفلسطينية ضعيفة وباهتة وعاجزة ، كما ان الاكتفاء بالذهاب الموسمي والجزئي للأمم المتحدة ودون استراتيجية شاملة لتدويل الصراع لن يضيف الكثير لقدرة الفلسطينيين على التصدي لجرائم الاحتلال التي تتطلب ان يترافق مع التحركات الدولية نضال بكافة الاشكال ومقاومة شعبية مستمرة ومتدرجة تفضي إلى انتفاضة شاملة كي يكون للحرك الدولي السياسي والدبلوماسي الأثر المطلوب فقاطرة الفعل السياسي والدبلوماسي والتحركات العربية والدولية هو النضال والفعل الفلسطيني على الأرض عبر تعزيز المقاومة الشاملة وصمود الفلسطينيين في مواجهة سياسيات الحكومة الفاشية المتطرفة والتصدي لها في كافة المجالات .
كما ان استمرار ردود الفعل الفلسطينية في اطار ما يتوقعه الاحتلال وبقاء فعل الرئيس الفلسطيني يتراوح بين التنسيق والتهدئة يعني تعطيل قدرة الفلسطينيين على مواجهة التهديدات الكارثية التي تنذر بها سياسيات حكومات الاحتلال المتعاقبة التي أعلنت جاهرا نهار انها لا تريد سلاما وخاصة الحكومة الأخيرة الأكثر تطرفا التي أعلنت عن برنامجها الهادف لتفريغ الأرض من السكان وابعادهم وتهجيرهم وتريد فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على أجزاء واسعة من الضفة الغربية والحرم القدسي وتهويد المدنية المقدسة وتغيير الوضع التاريخي والقانوني في المسجد الأقصى، كما ان إجراءاتها على الأرض تؤكد أنها أنهت حل الدولتين إضافة لرفضها حل الدولة الواحدة من خلال التخطيط لمراحل الصراع عبر فرض مزيد من التشريعات العنصرية والإجراءات الهادفة إلى تهجير قسري مستمر ومتزايد عبر مراحل الصراع للفلسطينيين.
وإزاء السياسيات الإسرائيلية وجرائم الاحتلال المتواصلة، تبدو السياسيات وردود الأفعال الرسمية الفلسطينية تتجه إلى ذات المقاربات المتبعة سابقا ودونما تغيير حقيقي يوازي التحديات والتهديدات التي تفرضها حكومة اليمين الفاشي الإسرائيلية، من حيث الحرص على استمرار العلاقة مع دولة الاحتلال بما فيها التنسيق الأمني، فحتى مع صعود حكومة اليمين المتطرف واعلانها للحرب الشاملة ضد الفلسطينيين، استمرت الأجهزة الأمنية في السلطة في ممارسة الاعتقالات السياسية وخاصة لأسرى محررين ومناضلين عدا عن القيود على الحريات ، كما استمر الرهان من القيادة على الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي الذي يعلن نظريا دعم حل الدولتين دون القيام بإجراءات فعلية لفرض عقوبات على دولة الاحتلال أو حتى حماية الفلسطينيين أو الإبقاء على خيار حل الدولتين الذي انهته جرائم الاحتلال الإسرائيلي ، حيث امتنعت القيادة الفلسطينية عن مقاطعة حكومة الاحتلال ومطالبة العالم بمقاطعتها وفرض العقوبات عليها رغم أهمية هذه الخطوة في مواجهة مخططات حكومة الاحتلال الاسرائيلي ، ما يعني تعطيل عملية التغيير والمواجهة الجادة التي باتت في حكم الضرورة الوطنية لمنع الكارثة التي قد تسبب بها اخطر حكومة يمنية عنصرية فاشية في دولة الاحتلال .
وفي المقابل تكتفي فصائل المقاومة بالتصريحات النارية من جهة وادانة جرائم الاحتلال من جهة اخرى، ودعم المقاومة في الضفة الغربية من جهة ثالثة، ومطالبة العالم بالتحرك من جهة رابعة واستمرار معادلة التهدئة في قطاع غزة رغم حاجة القطاع لها ، ومنعا لانزلاق القطاع إلى عدوان جديد تحتاجه دولة الاحتلال الي شغل العالم به وللتغطية على جرائم الاستيطان الزاحف والتهويد وجرائم العنصرية في مناطق 48.
الا ان ردود الأفعال الفلسطينية اجمالا بقت دونما رؤية شاملة ، تستطيع ان تكسر كل معادلات الاحتواء والاستفراد إسرائيلي بكل ساحة من الساحات ، بما يثبت معادلة وحدة الشعب والقضية والمصير المشترك، عدا عن عجز الحركة الوطنية في بلورة جبهة مقاومة وطنية للرد على جرائم الاحتلال من ناحية وتفعيل المقاومة بكل اشكالها من ناحية ثانية وتعزيز صمود المواطنين من ناحية ثالثة ، وتطوير تكتيكات المقاومة بكل اشكالها وبما يتناسب مع طبيعية كل تجمع فلسطيني وخاصة المقاومة الشعبية الرمزية والعملية، والتي تسمح بمشاركة معظم الفلسطينيين في عملية النضال الوطني وعدم الاكتفاء بالرهان على المقاومة المسلحة من ناحية وعلى المبادرات النضالية الفردية ، وبما يساهم في الحد من تعليق الآمال الكبيرة على النضال المعتمد على مبادرات الشباب الفردية على أهميته، او بالاعتماد على كتائب المقاومة في بعض مدن الضفة الغربية على عظم ما تمثله من حالة وطنية فلسطينية تجاوزت الانتماءات الفصائلية في بعضها، كرد ومقاومة وطنية متصاعدة ومشروعة على جرائم الاحتلال .
فالحركة الوطنية تحتاج الي إعادة بناء وتطوير شاملة في اطار مهام التحرر الوطني إضافة إلى تعزيز دورها المقاوم الوطني و تعظيم دورها وحضورها الشعبي الداخلي للضغط لإنفاذ قرارات الأجماع الوطني بالتحلل من قيود اتفاقيات اوسلو وسحب الاعتراف بدولة الاحتلال وتغيير وظيفة السلطة لتصبح خادمة للمشروع الوطني والمواطنين ونقل الوظيفة السياسية للمنظمة بعد إصلاحها وإعادة تفعيلها عبر الانتخابات الشاملة لمجلسها الوطني بما يمكن من انخرط الكل الوطني في مواجهة الاحتلال عبر برنامج وطني واستراتيجية نضالية وقيادة منتخبة موحدة تدير النضال الوطني التحرري وتعزز صمود المواطنين.
السؤال الكبير؟ إلى متى سوف تستمر سياسيات التفرد والاقصاء وغياب الشراكة والوحدة وعدم انفاذ قرارات المجلس الوطني والمركزي في سحب الاعتراف ووقف التنسيق الأمني؟
خاصة في ضوء وضوح الرؤية بأنه لا حل ولا أفق لأي تسوية مع مشروع صهيوني استعماري عنصري لا يعترف بأي من حقوق الشعب الفلسطيني.
وإلى متى سوف يستمر الانقسام السياسي وخاصة في ضوء المخاطر التي تحدق بالقضية الفلسطينية؟ رغم ان الأصل في مواجهة التهديدات والمخاطر الوطنية ان يتم توحد كل القوى الفلسطينية.
والى متي سوف يبقي الحديث الغير المجدي عن الأهداف الوطنية دونما رؤية وعمل ونضال جاد لإنجازها؟
فالحديث المتكرر عن الغاء أوسلو واستعادة الوحدة وإجراء الانتخابات سوف تبقى غايات لن تتحقق إذا لم يفرض الشعب بقواه المؤمنة بهذه الأهداف إنجازها والتي تتطلب عملية إنجازها بناء كتلة شعبية ضاغطة تجبر القيادة على تحقيقها.
أما على المستوى الشعبي وان اختلفت الصورة وتنوعت بين مختلف التجمعات الفلسطينية الا ان الحرك الشعبي الفلسطيني كان ولايزال له الدور الأبرز في استمرار التصدي لجرائم الاحتلال والسياسات الإسرائيلية العنصرية والإرهابية ، وان كانت العقوبات الإسرائيلية وجرائم الاحتلال المتصاعدة تتطلب استنهاض للدور والحرك الشعبي في كافة التجمعات الفلسطينية رفضا لمخططات وجرائم حكومة التطرف الفاشية الإسرائيلية، فتعظيم الحراك الشعبي الذي سيمكن من توليد ردود فعل عربية ودولية داعمة للنضال والحقوق الفلسطينية ورافضة ومعطلة ومعرقلة لمخططات دولة الاحتلال العنصرية .
سيناريوهات محتملة
إن تحليل مواقف الأطراف المختلفة وميزان القوى، يشير إلى وجود عدد من السيناريوهات التي يمكن إجمالها فيما يأتي:
السيناريو الأول: انفجار الأوضاع واندلاع انتفاضة شاملة جراء عقوبات وجرائم الاحتلال الإسرائيلي وحكومة اليمين المتطرف الفاشية واقدمها على ارتكاب جرائم جديدة وفرض عقوبات وسياسات عنصرية واسعة بما في ذلك الاستمرار في اضعاف وحل السلطة بما يسرع ويساهم في توليد ردود فعل ميدانية شعبية ورسمية فلسطينية وعربية ودولية رافضة لجرائم الاحتلال عدا عن تصاعد المقاومة في الضفة الغربية والرفض لإجراءات وعقوبات الاحتلال وعدم قدرة الحكومة الإسرائيلية على تسويق مخططاتها وتداعيات ذلك على علاقاتها العربية والدولية ، ما قد يدفع قيادة السلطة للتلويح او التحرك تجاه إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة والاتفاق على خطوات المواجهة وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وتصعيد المقاومة في الضفة الغربية والقدس وتعزيز مسار التحرك الدولي ، وهو خيار مستبعد فلا تزال العقبات كبيرة تعترض تحقق هذا السيناريو خاصة في ظل استمرار حالة التفرد من الرئيس والأقصاء بل رفضه اتخاذ خطوات لاستعادة وحدة حركة فتح أو إعادة بناء مؤسسات النظام السياسي كما أن إسرائيل لا تفضل هذا السيناريو وسوف تسعي لتعطيله بكل السبل، كونه يتعارض مع مصالحها في الاستفادة من تعميق حالة الانقسام، عدا عن اتخاذ خطوات متدرجة من العقوبات والإجراءات التي سوف تساهم في تفكيك عوامل الوحدة بين الساحات المختلفة .
السيناريو الثاني: ان تنجح العقوبات والاجراءات الإسرائيلية في الحد من تحركات السلطة على المستوى الدولي وابقاءها في اطار القيام بوظيفتها الأمنية والاقتصادية وضبط تحركات المسؤولين فيها في الحدود التي تسمح بكسب مزيدا من الوقت لتمرير مخططات الحكومة اليمينة المتطرفة ، وتثبت الأيام والسنوات السابقة بان القيادة الفلسطينية، وفقا لسلوكها بانها ليست بمستوى التهديدات التي يمثلها صعود الفاشية والتطرف في دولة الاحتلال وتشكيل حكومة عنصرية متطرفة أعلنت وبدئت في تطبيق جملة من السياسات والخطوات الاجرامية بحق الشعب الفلسطيني ، فالقيادة لم تقم بالحد الأدنى المطلوب لإحباط مخططات دولة الاحتلال الإسرائيلي بل ان ردود فعلها إزاء العقوبات تعتمد سياسية الانتظار والحفاظ على بقاء القيادة ومصالحها، اكثر من حماية الحقوق الوطنية ، رغم خطابها بالتمسك بالحقوق عبر اعتماد سياسة "اشبعتهم شتما وفازوا بالأبل " ما يضعف من قدرة الشعب الفلسطيني المواجهة الشاملة للعدوان المتواصل على الفلسطينيين وحقوقهم الوطنية والانسانية، كما ان إجراءات وسياسات القيادة والسلطة من استمرار التمسك باتفاقيات أوسلو وغياب رؤية استراتيجية بديلة ، فخطاب وممارسات السلطة لازال يتسم بالازدواجية والتناقض ما بين التمسك بمخلفات أوسلو وخيار المفاوضات مع قادة الاحتلال والتنسيق معهم، وترك باب العودة للمفاوضات مفتوحاً، وفي مقابل ذلك التوجه لاستخدام الآليات الدولية، رغم التعارض الواضح ما بين استراتيجية المفاوضات والاعتراف بشرعية الاحتلال، وما بين استراتيجية تدويل الصراع ونزع الشرعية عن دولة الاحتلال وضمان مقاطعتها وفرض العقوبات عليها، وهما امرين لا يمكن التوفيق بينهما.
كما ان استمرار حالة الانقسام وغياب الديمقراطية وانهيار مؤسسات السلطة والمنظمة وحالة التفرد والاقصاء والفساد وتزايد الانتهاكات لحقوق الإنسان الأمر الذي ساهم في اهدار قدرات الفلسطينيين واضعافهم في مواجهة التحديات الوطنية وما يفرضه صعود اليمين الفاشي في دولة الاحتلال وتبينه لمقاربة إنهاء الصراع وحسمه على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية ، ولعل ردود فعل القيادة الفلسطينية توضح أنه لا خيارات أمامها ألا الاستمرار في ذات النهج السابق والذي أوصل الفلسطينيين إلى ما هم عليه الأن من ضعف وعجز وانقسامات في الحركة الوطنية وضعف ردود الأفعال وتراجع في مكانة القضية الفلسطينية وتسليم بالمعادلات الجديدة التي تفرضها الحكومة الإسرائيلية مع الإبقاء على ردود فعل كلامية وتحركات محدودة ومعتادة وهذا سناريو محتمل.
السيناريو الثالث: يشير إلى استمرار معادلة بقاء الأوضاع على ما هي علية أو مسيطر عليها رغم تصاعد جرائم وعقوبات حكومة الاحتلال الفاشية، لأسباب داخلية إسرائيلية تتمثل في رغبة إسرائيل في بقاء السلطة لتخفيف الأعباء عنها من ناحية ولضمان تسوقها تدريجيا مع سياسة الأمر الواقع الإسرائيلية ، عدا عن تفضيل الولايات المتحدة الأميركية وبعض الأطراف العربية والدولية الحفاظ على الأوضاع القائمة مع القبول ببعض التغييرات والخطوات التي يمكن ان تقوم بها دولة الاحتلال تسويقها باعتبارها تساهم في أمن دولة الاحتلال مع مطالبة الفلسطينيين بالتوقف عن أي إجراءات أحادية او حتي مطالبة الطرفين، مع القبول بردود الفعل الفلسطينية دون أي تصعيد على المستوى الدولي ، وفي المقابل تدرك إسرائيل انها قادرة على رفض أي تدخلات دولية طالما بقي الدعم الأمريكي والنفاق الأوروبي وازدواجية المعايير، ويبدو بان هذا السيناريو هو المرجح في المدى المنظور.
إلا أنه سناريو يتهدد إمكانية انفجار الأوضاع في مواجهات شعبية أو عسكرية ودخول المقاومة في قطاع غزة على خط المواجهة العسكرية في حال الاقدام على اقتحامات واسعة للمسجد الأقصى وممارسة الطقوس التلموذية، خاصة في شهري أبريل ومايو من العام الحالي، أو الإعلان عن ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية وتهجير السكان أو إلحاق الأذى البليغ بالأسرى ما قد يدفع إلى تصاعد المقاومة ومساحات الاشتباك مع الفلسطينيين والمجتمع الدولي ، الأمر الذي يتطلب معالجة تقوم على فرض الشعب الفلسطيني لإرادته عبر استمرار المقاومة الشعبية وفرض خارطة طريق تضمن التحول الديمقراطي عبر اجراء الانتخابات الشاملة بما يضمن تغيير الشخوص والسياسيات المسؤولة عن الكارثة التي وصلها الشعب والقضية الفلسطينية ..
خاتمة:
ختاما عقوبات الاحتلال على خطورتها لن تكون نهاية المطاف وربما في قادم الأيام والأشهر سيكون الفلسطينيين امام جرائم وإجراءات وعقوبات وسياسيات اكثر خطورة ستقدم عليها الحكومة الإسرائيلية ولكنها جرائم الاحتلال ومخططاته مها عظمت لن تنهي الشعب الفلسطيني ولا القضية الفلسطينية التي حافظ عليها الشعب الفلسطيني على مدار أكثر من مائة عام عدا عن التمسك بالحقوق الوطنية والاستعداد الدائم للنضال الوطني وتقديم التضحيات الجسام في مواجهة المشروع الاحتلال الاستيطاني الاستعماري العنصري، كما ان دولة الاحتلال الإسرائيلي عدا عن كشف زيف ادعاءاتها الديمقراطية فأنها تعاني من نقاط ضعف كثيرة، كما ان المتغيرات الدولية والإقليمية والعربية لن تبقي الفلسطينيين ولا العالم على ما هو عليه رغم ضبابية المشهد ألا ان التعددية القطيبة باتت على الأبواب ، ما يوفر للفلسطينيين بعض الفرص التي يمكن ان يتحركوا بموجبها لتشكيل حائط صد سياسي فلسطيني وعربي ودولي ، عدا عن الدعم الشعبي العربي والدولي المتزايد للقضية الفلسطينية في حال احسن استثمار الفرص.
وعلى الفلسطينيين رغم انقسامهم ان يتوافقوا على خطوات عملية لمواجهة جرائم وسياسيات حكومة الاحتلال سواء عبر الاستمرار في المقاومة بكل اشكالها مع اجتراح معادلات تسمح بانخراط كل تجمع من التجمعات الفلسطينية في مواجهة جرائم الاحتلال، مع الإبقاء على التحركات الدولية الهادفة الى محاسبة ومقاطعة دولة الاحتلال عدا عن تركيز الجهود على تجميع طاقات الفلسطينيين في المواجهة والامتناع عن أي خطوات من شأنها تعزيز التباينات الداخلية، بما في ذلك وقف كل اشكال التنسيق الأمني مع الاحتلال وتعزيز صمود الفلسطينيين في القدس وفي المناطق المهددة بالاستيطان الاستعماري.
واجمالاً سوف تبقى فرص نجاح أي من السيناريوهات السابقة مرهونة بالعديد من الظروف والمعطيات الإسرائيلية و الفلسطينية والعربية الدولية والميدانية، التي قد ترجح تحقيق أحدها أو الدمج بينها، في ظل اختلاف معايير وشروط ووجهات نظر الأطراف ، فلكل طرف مصالحه التي يحاول تحقيقها، و إلى ان يتجاوز الشعب الفلسطيني نقاط ضعفه الدائمة والتي اخطرها يتمثل في استمرار الانقسام وغياب الاتفاق على مشروع واستراتيجية نضالية شاملة وقيادة منتخبة موحدة قادرة على استثمار التضحيات وقيادة النضال الوطني التحرري عبر نضال متدرج يصل إلى انتفاضة شاملة تضمن تعظيم الاشتباك الكفاحي الشعبي والقانوني والدبلوماسي والإعلامي.. لرفع كلفة الاحتلال وصولا لأنهائه فهذا هو الخيار الوحيد الباقي للفلسطينيين من أجل الحفاظ على وجودهم وحقوقهم وتحقيق أمالهم وتطلعاتهم في الحرية والعودة والاستقلال.