سنوات طويلة يقضيها الأسير منتظرا لحظة الإفراج عنه، يتخيل فيها حفاوة استقباله حين الإفراج عنه ورؤية أهله ومحبيه، وكل مرة يبتكر الفلسطينيون طرقا كثيرة للتعبير عن فرحتهم عند نيل أولادهم الحرية، خاصة من قضى سنوات طويلة يتنقل من زنزانة لأخرى.
وحين يقترب الأسير من لحظة الإفراج يهيئ نفسه، يحضر ملابسه الجديدة التي قد يحصل عليها من أحد زملائه حال حرم الاحتلال ذويه من إدخال أي مقتنيات له، ويحفظ الكثير من العبارات التي سيخطب بها أمام أبناء شعبه.
يتخيل كيف سيحتضن والديه وعائلته وأصدقاءه بعيدا عن قضبان السجن، وماذا سيهمس لأولاده الذين تركهم صغارا وغدوا رجالا، وهل جهزت أمه الأكلة التي طلبها، وغالبا ما تكون شعبية، كورق العنب والمقلوبة.
لكن الاحتلال اعتاد التنغيص على الأسرى لحظة الإفراج عنهم، ففي الوقت الذي يجهز فيه الأسير نفسه للحرية، يماطل الاحتلال في قرار الإفراج، فتارة يؤخره لأيام، وتارة يحكم عليه إداريا لستة أشهر، أو يفرج عنه مساء، ويشترط أن يكون عدد قليل من ذويه عند استقباله.
ومؤخرا، أصدر وزير الأمن القومي (الإسرائيلي) اليميني المتطرف إيتمار بن غفير قراراً بحظر رفع أي علم فلسطيني في الأماكن العامة، وذلك عقب توتر بين بن غفير والشرطة (الإسرائيلية)، بعد تجاهل الأخيرة تعليماته بمنع الاحتفالات بتحرير الأسير الفلسطيني كريم يونس.
وعادة، يجهز أهالي الأسير المحرر -سواء في غزة أو الضفة المحتلة والقدس- خياما كبيرة لاستقبال المحررين، ويأتي المهنئون من كل مكان، وتعلو الزغاريد. وفي موكب كبير يتجول المحرر في شوارع بلدته، خاصة من يسكنون قطاع غزة؛ حيث لا يوجد جنود احتلال ينغصون عليهم.
وينظر الشعب للأسير المحرر على أنه بطل ثائر، فهو في نظر الصغير قبل الكبير تمرد على محتل غاشم، ونفذ عملية كبيرة أدت إلى خسائر لدى الاحتلال فكسرت هيبته.
عن الاستعداد للحظة الإفراج، يتحدث المحرر إياد أبو ناصر "للرسالة نت"، وهو من مدينة غزة، أنه كان يستغل تواجده في الزنزانة ويقف على "البرش" متخيلاً أن هناك حشداً كبيراً من الناس يخطب بهم.
وأشار إلى أنه كثيراً ما كان يهيئ نفسه للحظة الإفراج، ويتدرب أكثر على انتقاء الكلمات التي سيلقيها على مسامع المهنئين.
أما المحرر والكاتب وليد الهودلي يقول "للرسالة نت": "يخشى الاحتلال مواكب المحررين لأنه ينظر إليها كمعركة قائمة على الهوية والثقافة الفلسطينية".
ويشير إلى أن مواكب المحررين وتهليل المواطنين فرحا بهم، تعد إعلانا صريحا من الفلسطينيين بقهر (الإسرائيليين)، وتدل على انتمائهم للقيم الوطنية لهذه الأرض الفلسطينية، وأن التاريخ لايزال منقوشا في ذاكرتهم.
وأكد أن الأسرى يشكلون حالة ثورية يحتذي بها العشرات من الجيل الجديد حين يسمع قصصهم وتضحياتهم.
وذكر أن تهديدات بن غفير تأتي في سياق الحكومة المتطرفة التي لا ترى للفلسطيني مكانا ولا هوية، لذا تمارس تطرفها عليه، موضحا أن الاحتلال -وخاصة الحكومة الأخيرة- انتقل من حالة الصراع إلى إنهائه.
أما حكاية الأسيرة نسرين أبو كميل التي أفرج عنها قبل حوالي عامين، تكشف عن القمع الذي يترصد فيه الاحتلال للأسرى، فبعد ست سنوات قضتها في سجون الاحتلال جاء خبر الإفراج عنها وعودتها إلى قطاع غزة.
وبمجرد أن وصلها الخبر بالموعد، جهزتها الأسيرات لتخرج للحرية، فارتدت أفضل ما لديها من ملابس، وعند خروجها ومشاهدتها للشمس دون أسلاك أدركت أنها حرة حقا، ولن تكتمل فرحتها إلا بالوصول إلى قطاع غزة حيث أبناؤها.
طارت أبو كميل بصحبة أقاربها من حيفا إلى معبر بيت حانون (إيرز)، وتجهز زوجها، وأبناؤها الذين تركتهم صغارا وأصبحوا شبابا، ولم تنس ابنتها -التي غدت أما في سن مبكرة- إعداد أكلة "الدوالي" ليكون الطعام الأول لأمها كما أوصتها.
تجهز جميعهم وهرعوا إلى المعبر وبقوا ينتظرون حتى وقت طويل، إلى أن جاء الخبر بعد ساعات انتظار طويلة "لن تدخلي غزة".
تقول أبو كميل:" جهز زوجي وأبنائي موكبا كبيرا ليوصلني إلى بيتي في غزة، وكنت أرى عبر شاشة الموبايل استعدادهم لاستقبالي بحفاوة فتلهفت أكثر للقاء، لكنني بقيت عالقة ثلاثة أيام بسبب منع الاحتلال دخولي. تلك الأيام مرت أصعب من سنوات اعتقالي".
وتضيف: تعمد الاحتلال كسر فرحتنا والتنغيص علينا، فالناس يروننا أبطالا، بينما الاحتلال يخشى فرحتنا التي تمد شعبنا بالتضحية وحب الوطن أكثر".