مجاهداً مقاوماً.. فآسراً للجنود.. فمطارَداً.. فمُطارِداً للعدو الصهيوني بما يمده للمقاومة من سلاح، إلى أن ترجل شهيداً بطلاً.. هكذا باختصار هي حكاية الشهيد القائد محمود المبحوح، أحد مؤسسي كتائب القسام الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس".
تمر اليوم التاسع عشر من يناير، ذكرى رحيل البطل الهمام، والمجاهد الصنديد، والقائد المفكر والمخطط الكبير محمود المبحوح، الذي أذاق العدو الصهيوني صنوف شتى من العذاب والويلات، حتى أصبح اسمه رعبا في قواميس قادة الاحتلال الصهيوني.
أعوام مضت على ذكرى اغتيال الشهيد القائد محمود المبحوح، ورغم ذلك فما زالت عملية الاغتيال تتداعى وأخبارها تترا، ويلاحق الشهيد محمود الاحتلال في قبره ليفضحهم.
استشهد رجل المقاومة والجهاد، صاحب العزيمة الصلبة والإرادة القوية، فبعد أن أسر جنود الصهاينة وقتلهم دون أن يستطيع المحتل الصهيوني فعل شيء لجنوده المهزومين المقتولين، وخرج من غزة، أدخل إلى غزة سلاحا أكثر رعبا وخوفا، جعل الاحتلال الصهيوني يعيد حساباته قبل أي اعتداء على أهل غزة الأبطال، ألا وهي الصواريخ الذي قضت مضاجع الاحتلال، وأرعبت الصهاينة، وأحالت حياة المغتصبات والمدن الصهيونية جحيما لا يطاق.
رعبٌ طارد العدو حتى بعد مماته
بالرغم من مرور سنوات طويلة على أسر الجنود الصهاينة على يد المخطط الكبير والقائد القسامي محمود المبحوح، لم ينس الاحتلال ما فعله من تنكيل وعذاب بجنوده ردا على جرائمهم البشعة بحق الشعب الفلسطيني، فأصروا على النيل منه في أي وقت وفي أي فرصة تتيح لهذا المحتل الجبان، فأرسلوا عملاء الموساد يترقبون تحركاته هنا وهناك طيلة الفترة الماضية لكي يوقفوا إعصار المقاومة وبركان الانتفاضة محمود المبحوح.
وعند تواجد المبحوح في أحد فنادق دبي في 19/1/2010م، وهو تحت مراقبة الموساد الصهيوني، أدرك الاحتلال أن الفرصة قد حانت للانقضاض على الأسد الهصور، ولكن ليس مواجهته بل الطعن من الخلف، واستخدام وسائل لا يستعملها إلا الجبناء المهزومين والخونة، مستخدمين الصعقات الكهربية لقتل المبحوح.
رحلة السجون
اعتقل شهيدنا رحمه الله عدة مرات في سجون الصهاينة، وفي السجون المصرية، فاعتقل في عام 1986م في سجن غزة المركزي (السرايا)، ووجهت له تهمة حيازة الأسلحة وبعد خروجه من سجون الاحتلال الصهيوني استكمل حياته الجهادية فعاش مطاردا للاحتلال الصهيوني.
بعدما انكشف أمر شهدينا في 11/5/1989م، قامت قوات خاصة فجر ذلك اليوم مستقلة سيارات من نوع فورد، بتطويق بيت الشهيد وبدأت عمليات الإنزال على شرفة المنزل وسطح المنزل، وبإلقاء قنابل صوتية وتكسير أبواب المنزل بدون سابق إنذار واعتقلوا كل من في البيت بما فيهم أطفاله الصغار.
وكانت هناك قوات خاصة في كراج الشهيد تنتظر قدومه لقتله أو اعتقاله، وكان الجنود الصهاينة متخفين بزي عمال زراعة، وعندما توجه أخواه إلى الورشة (الكراج) قام الصهاينة بإطلاق الناري عليهما لحظة دخولهما، وأصيب أخوه فايق وتم اعتقاله من قبل الصهاينة أما نافز فقد أصيب بجرح بالغة الخطورة وتم نقله إلى مستشفى الأهلي.
ورغم الحصار والمطاردة ذهب أبو العبد إلى المستشفى ليطمئن على أخويه ومن ثم غادر المكان وبعد ذلك تمكن من الخروج من قطاع غزة.
وفي عام 1990م، قررت المحكمة الصهيونية هدم بيت الشهيد ومصادرة الأرض، وكانت التهمة الموجهة إليه أسر جنود صهاينة.
الخروج من غزة
بعد مطاردة في غزة دامت أكثر من شهرين، تمكنوا من اجتياز الحدود هو ورفاقه، إلى مصر، وعندما اكتشف أمرهم من قبل الصهاينة، طالبوا الحكومة المصرية بتسليمهم إلا أنهم تمكنوا من الاختفاء عن أعين قوات الأمن المصرية لمدة 3 شهور حتى تم الاتفاق على تسليمهم وترحليهم إلى ليبيا، ومن هناك غادروا إلى سوريا حيث أكمل مشواره الجهادي هناك.
ليلة الاستشهاد
يا لها من دنيا، تفرق بين الأحباب وتباعد بين الأصحاب وترسم صورة الفراق والغياب، وجاء اليوم الذي يعلن فيه عن موعد غياب القمر الأخير عن سماء الدنيا الفانية والارتحال إلى دنيا الآخرة والبقاء.
ففي ليلة 19/1/2010م، كان شهيدنا القائد الحبيب محمود يمكث في أحد فنادق دبي بالإمارات، لكنه لم يكن يعلم أن الموساد الصهيوني ووكلاءه في المنقطة يترقبونه ويتربصون به ثأرا لجنودهم المقتولين منذ زمن، ولكن ليس مواجهة كالرجال بل غدرا وخيانة، واستخدموا في جريمتهم الجبانة الصعقات الكهربية ومن ثم الخنق ليرتقي شهيدنا الحبيب إلى جنان الله الباري بعد مشوار جهادي شرف كل فلسطين وكل الأمة.
وبذلك قد نال شهيدنا الشهادة التي تمناها على مدى سنوات طوال، فأراد الله البقاء سنوات طوال يخدم فيها الإسلام والمقاومة، ومن ثم الشهادة في سبيل الله فنال أجر البقاء بخدمة الإسلام وظفر بالشهادة ليختم بها حياته فرحم الله شهيدنا وأسكنه فسيح جناته مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا.
وبذلك تنطوي صفحة من صفحات المجد، وينتهي سجل كبير من العز والشموخ، ويرتقي أبو العبد محلقا مع أحبابه وأبنائه الشهداء هناك في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.
المصدر: موقع كتائب القسام