يأتي الخامس والعشرون من يناير ليذكر الفلسطينيين بآخر انتخابات تشريعية عقدت منذ 17 عاما، وذلك بعد حوالي عشر سنوات من الانتخابات الأولى التي عقدت بعد عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة.
منذ ذلك الوقت يتعطش الفلسطينيون لا سيما الجيل الشاب في الضفة والقدس وغزة لخوض انتخابات.
وتجدر الإشارة إلى أن الانتخابات الأخيرة التي كانت عام 2006 انتهت بفوز حركة حماس بـ 74 مقعدا، مقابل 45 مقعدًا لحركة فتح، ومن بعدها بقي عباس وحاشيته يعطلون أي حديث جديد عن عقدها مرة أخرى.
وبسبب حصول حركة حماس على أغلبية مقاعد المجلس التشريعي، رفضت فتح بشدة النتائج مما تسبب في الانقسام الداخلي بعد أقل من عام، وأدى إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية إداريا وسلطويا، حيث تدير حماس شؤون القطاع وفي المقابل السلطة تتحكم في الضفة.
وفي أعقاب وفاة الرئيس السابق ياسر عرفات، تفرد عباس بالسلطة حتى تحولت إلى سلطة الفرد الواحد، الذي يأمر وينهي ويشرع قوانين على مقاس ملكه.
تعطيل الانتخابات والقدس ذريعة
سبعة عشر عاما وصناديق الاقتراع الفلسطينية تنتظر المواطنين لينفضوا الغبار عنها ويمارسوا حقهم بالتصويت لاختيار أعضاء المجلس التشريعي ومن ثم الرئاسة، سنوات مرت على رغبة الآلاف من المواطنين بممارسة حقهم المشروع في التصويت والوصول لصندوق الاقتراع وغمس أصابعهم في الحبر الأزرق، خاصة أن هناك جيلا بأكمله وصل إلى الثلاثين من عمره لم يصل ولو لمرة واحدة إلى الصندوق.
ورغم الإعلان المتكرر عن نية عباس عقد انتخابات برلمانية إلا أنه دوما يتراجع تحت حجج واهية، لدرجة أنه حين أعلن في يناير 2021 نيته عقد انتخابات لم يصدقه أحد رغم البدء بخطوات فعلية بإعلان القوائم في الضفة وغزة، لكن سرعان ما تراجع قبل اعتمادها بحجة أن القدس لن تكون ضمن الانتخابات لرفض الاحتلال.
ولا يبدو أن البيئة السياسية الداخلية الفلسطينية مهيأة حتى الآن لفكرة التداول السلمي على السلطة، وللقبول بنتائج صناديق الاقتراع مهما كان الفائز.
يقول المحلل السياسي تيسير محيسن إن تعطيل الانتخابات مخالف للقانون الأساسي الفلسطيني، ومن المفترض إسراع القيادة المتنفذة في السلطة ومنظمة التحرير بتنفيذها، لافتا إلى أنه من المفترض أن تكون الانتخابات الأخيرة التي جرت في 2006 أسست لواقع كان المفترض أن يسود ويتكرر فيه إجراء الانتخابات في موعدها رغم ما حصل من تجاذبات بعد نتائج الانتخابات.
وتابع محيسن: "كان من الأولى أن تتم انتخابات جديدة دون أي اعتبارات سياسية أو حزبية، وعدم التأثر بالعلاقات الخارجية كما جرى عند تعطيل الانتخابات قبل حوالي عامين بعد التوافق على إجرائها، حيث جرى الهروب من هذا الاستحقاق الوطني الذي هو مطلب وإجماع فصائلي وشعبي".
ويفسر قوله "للرسالة نت" بأن السلطة ومنظمة التحرير هربت في يناير 2021 من إجراء الانتخابات البرلمانية بعدما اعتمدت على القراءة الاستباقية للنتائج والخوف من دفع استحقاقاتها، ودفعت التحذيرات الإقليمية والدولية من إجرائها القيادة للبحث عن سبب للترويج لعدم تنفيذها، وكان موضوع القدس ذريعة.
وأشار محيسن إلى أن قيادة السلطة لم تقم بأي إجراء يُلزم الاحتلال (الإسرائيلي) أو بتحشيد الموقف الدولي للسماح للمقدسيين بإجراء هذه الانتخابات.
ويصف عدم تنفيذ الانتخابات منذ 17 عاما بأنه نقيصة سياسية في النظام السياسي، مما يحرم الأجيال ممارسة هذه العملية الديمقراطية لاختيار من يمثلها، مؤكدا أن غياب الانتخابات يؤخر عجلة الديموقراطية التي من المفترض في واقع الاحتلال أن تسود ويختار الشعب قيادته بحرية كاملة.
وأكد محيسن أن غياب الانتخابات لفترة طويلة يجمد الحالة السياسية، ويعطل ظهور قيادات شابة يمكن أن تقود الحالة الوطنية والحد من أزماتها السياسية المتفاقمة، لافتا إلى أن مماطلة عباس في إجراء الانتخابات يسبب مزيدا من تعمق حالة الفساد ومزيدا من "الشللية" والتحكم بمقدرات الشعب الفلسطيني.
إجراءات عباس في التفرد بالحكم
في العام 2016، أصدر عباس قرارًا رئاسيًا يقضي بتشكيل محكمة دستورية عليا، أي أعلى جهة قضائية في البلاد، وعلى خلاف نص الدستور باستقلال أفراد القضاء عن أي حزب، عيّن عباس أعضاء المحكمة الدستورية من أبناء حركة فتح، الأمر الذي حمل موجة انتقادات واسعة من الأحزاب السياسية والمؤسسات الحقوقية، وأكدوا أن القرار غير قانوني ويعكس حالة التفرد والتنكر للشراكة الوطنية.
ولاحقًا، وبعد عامين من تأسيسها، أصدرت المحكمة الدستورية العليا قرارًا بحل المجلس التشريعي، وجاء في نص القرار: "إن المجلس التشريعي في حالة تعطل وغياب تام وعدم انعقاد منذ تاريخ 5-7-2007، وقد انتهت مدة ولايته بتاريخ 25-1-2010".
ومع غياب المجلس التشريعي، أصدر الرئيس محمود عباس مرسومًا رئاسيًا عام 2019 يقضي بحل مجلس القضاء الأعلى، وإنشاء مجلس انتقالي لمدة عام لغايات إصلاح القضاء، قبل أن يمدد ولايته لاحقًا، وجاء قرار عباس بحل مجلس القضاء حينها بشكل مفاجئ.
كما أصدر عباس، مطلع العام 2021، قرارًا بقانون لتشكيل محاكم نظامية جديدة، وقرارًا بقانون بإنشاء قضاء إداري مستقل على درجتين، وقرارًا بقانون ثالث يتعلق بإدخال تعديلات على قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، كما قرر ترقية عددٍ من قضاة البداية إلى قضاة استئناف، وإحالة ستة قضاة إلى التقاعد المبكر بناءً على تنسيب من مجلس القضاء الأعلى الانتقالي.
أما المنظمات الحقوقية فأكدت في حينها أن أي تعديل لقانون السلطة القضائية يجب أن يكون من خلال برلمان منتخب ديمقراطيا وبالتشاور مع مجلس القضاء الأعلى، فيما أكدت أن المدخل لتصحيح ما يجري من مس وتدهور داخلي، هو احترام مبدأ سيادة القانون وفصل السلطات.
البلديات معطلة
ولا يقتصر تحكم السلطة وانفرادها في السيطرة على الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية بل عطلت عن عمد انتخابات البلديات، حيث عقدت آخر انتخابات بلدية بمشاركة الفصائل الفلسطينية سنة 2005، وظهر فيها التنافس التقليدي القوي بين فتح وحماس؛ وسارت على أربع مراحل طوال تلك السنة، وشملت 256 مدينة وقرية فلسطينية.
وأظهرت نتائجها العامة تفوقا لحركة فتح في القرى والبلدات الصغيرة وفي مجموع المقاعد، بينما أظهرت تفوقا لحركة حماس في المدن والبلدات الكبيرة وفي عدد الأصوات. وحققت فتح ما مجموعه 1164 مقعدا (بسبب كثرة البلدات الصغيرة) مقابل 862 مقعدا لحماس.
وكان مجموع ما حصلت عليه فتح وحماس يساوي حوالي ثلاثة أرباع مقاعد المجالس المحلية (البلديات)، وقد فوجئت فتح بفوز حماس بأغلبية ساحقة وبنسبة 74% في نابلس، أكبر مدن الضفة الغربية. ولذلك قررت قيادة السلطة (فتح) عدم إجراء الانتخابات البلدية في مدينتي الخليل وغزة حيث كانت التوقعات ترجح بقوة فوز حماس.
وفي 11/7/2012 قررت حكومة فياض في رام الله إجراء انتخابات بلدية دون ترتيب وتوافق مع حكومة هنية في غزة، مما أدى لمقاطعة حماس للانتخابات وعدم تنفيذها في قطاع غزة.
وقد تمت هذه الانتخابات في 20/10/2012 وشملت 93 هيئة محلية وشهدت -في ضوء مقاطعة قوى المقاومة- حالة تنافس وانقسام فتحاوي حاد، أدى إلى مشاركة عناصر وشخصيات فتحاوية مفصولة بقوائم مستقلة في عدد من المناطق ضدّ قوائم فتح الرسمية؛ حيث ظهرت أبرز الخسارات في مدينة نابلس، عندما فازت قائمة غسان الشكعة (المستقيل من فتح) على القائمة الرسمية لفتح التي يرأسها أمين مقبول أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح.