بإقبال ممزوج بالفضول والانبهار، ووسط تخوفات من السيطرة على عقل الإنسان، اقتحم عالم افتراضي ذكي حياة الإنسان، وأطلق عليه العلماء مسمى (الذكاء الاصطناعي).
يُعتبر الذكاء الاصطناعي أداة قوية للتعامل مع البيانات في مجالات متعددة، منها التسويق والتجارة والصحة والتعليم وغيرها، في حين أصبحت الشركات تراهن على هذه الميزات لتوفير الوقت والأيدي العاملة، فهل ستؤثر هذه التكنولوجيا على حياتنا؟
وهل سيحمل الذكاء الاصطناعي مخاطر على الأمن الوظيفي للإنسان؟ خاصة أنه بات يغزو العالم وسط مخاوف من عواقب تلك التكنولوجيا والتطبيقات.
مصدر خوف
ويعرف الذكاء الاصطناعي بأنه: الأنظمة أو الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام، ويمكنها أن تحسن من نفسها بناء على المعلومات التي تجمعها.
وتشير الدراسات إلى أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تعمل على تحسين أداء المؤسسات وإنتاجيتها، عن طريق أتمتة العمليات أو المهام التي كانت تتطلب القوة البشرية فيما مضى.
وبدوره يعد تطبيق (التشات جي بي تي) من أحدث التطبيقات العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي وأشهرها، وهو عبارة عن روبوت دردشة يجيب عن الأسئلة التي يطرحها المستخدمون بطريقة إبداعية، ويكتب مقالات حسب الطلب معتمداً على محرك البحث "جوجل".
وحول التخوفات من تلك التطبيقات وإمكانية تأثيرها على عدد من الوظائف، قال المبرمج محمد علاء: إن برنامج "التشات جي بي تي" عبارة عن روبوت يتحدث بكل المواضيع تقريباً، وهو أقرب لذكاء الإنسان.
وأضاف علاء أن التطبيق يستطيع كتابة الشعر والمقالات وقول النكات، لذلك حصل على أكثر من مليون مستخدم في أقل من أسبوع؛ لتميزه عن غيره من التطبيقات بمحاكاة عقل الإنسان.
وتابع: التطبيق يهدد مجالات عديدة منها البرمجة؛ فقد أصبح الذكاء الاصطناعي قادرا على كتابة الأكواد البرمجية، وعلى اكتشاف الثغرات فيها.
وأوضح أن التطبيق يُمكنه بناء مشاريع برمجية -بسيطة حالياً- فيما يقارب نصف ساعة، وبالتالي نجده أسرع من المبرمج البشري، وعند تطويره أكثر ستقوم الشركات بتسريح عدد كبير من الموظفين.
ودخل تطبيق Chat GPT عالم الحرب التكنولوجية بقوة، وأضحى منافسا قويا لعملاق محركات البحث "جوجل".
**بديل للإنسان
وكانت شركة "ألفابت" المالكة "لجوجل" أعلنت عن إلغاء نحو 12 ألف وظيفة، أي ما يعادل 6% من قوتها العاملة مع توجه الشركة للاعتماد على الذكاء الاصطناعي، في أكبر عملية تسريح للموظفين في تاريخ الشركة الأم "جوجل".
تخوفات البشر، وخاصة الموظفين، بفقد عدد كبير منهم وظائفهم قضية ناقشتها (الرسالة) مع عميد كلية تكنولوجيا المعلومات في الجامعة الإسلامية بغزة، الدكتور إياد حسني الشامي، حيث قال: "إن الذكاء الاصطناعي سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية، تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، وهو نوع من البرمجيات التي تعتمد على العلم الإحصائي".
وأضاف: "يعتمد على الخوارزميات التي تتيح للنظام الذكي التعلم والقدرة على اكتساب المعرفة من الخبرات السابقة، وتحليل البيانات للتخمين والتنبؤ".
ونوّه إلى أن "الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحل محل البشر في مجالات كثيرة مثل الطب، فالقرار فيه يعود للعامل البشري؛ لأن الجهاز حتى اللحظة لا يعرف الذكاء العاطفي، والشعور الإنساني مفقود لديه".
وتابع: "إذا كانت الآلة هي التي تتحكم مثلاً بمريض ميت إكلينيكيا فإنها ستفصل الأجهزة عنه؛ لأنها ستحسب ثمن الكهرباء والمساحة والتكاليف الأخرى، لكن العامل البشري يعطي فرصة؛ ففي حالات كثيرة نسمع "عاد من غيبوبة"، وهذا الكلام لا تؤمن به الآلة".
وأشار إلى أن العالم بدأ بتسخير الذكاء الاصطناعي لخدمة البشر خاصة الشركات الكبرى؛ للاستغناء عن عدد من الموظفين، معتبرا أن العامل الكسول هو من سيعاني من خطر فقدان وظيفته، بينما الإنسان المبدع سيبقى يحاكي ويتحدى الآلة قدر المستطاع.
وحول المخاوف من تطبيق "التشات جي بي تي"، تحدث الشامي جازماً أن كل تلك الآلات لا يمكن أن تحل محل البشر؛ لأنها تخضع لمحددات وضعها الإنسان.
وقال: "لو وضع الإنسان لها محددات أوسع ستخضع لها، أي أننا نحن من نتحكم بالآلة وليست هي من تتحكم بنا وبمجالاتنا الحياتية".
في المقابل، أبدى الشامي خشيته من تأثير الذكاء الاصطناعي على مجال التعليم، من خلال خلق عقول سطحية لا ترغب بالتفكير؛ وذلك لسهولة الحصول على المعلومة.
وأضاف عميد كلية تكنولوجيا المعلومات: "أنا كمدرس جامعي أواجه مشكلة حقيقية مع الطالب الكسول، الذي يحل واجباته من خلال التشات جي بي تي أو التطبيقات المشابهة".
وأكد أن الإنسان الذكي يسخر التكنولوجيا أولاً بأول في مجال اكتساب المعرفة؛ لأن الآلة يوماً ما ستعجز وستكون غير قادرة على الإجابة، وهذا يدل على أن الإنسان هو الأذكى ولن يتم استبداله بالآلة، معتبرا أنه من المبكر في العالم أن يكون الروبوت بديلا عن الإنسان.