دخلت أريحا إلى خط المواجهة. المدينة الهادئة يحاصرها الاحتلال منذ أسبوع. بين كر وفر، تدخل قوات الاحتلال تعتقل، وتهدم بيوت المواطنين في مخيم عقبة جبر، يبحث عن مقاومين يقول أنهم مسؤولون عن عملية إطلاق نار على مطعم في مستوطنة ( ألموغ ) قرب مدخل أريحا الجنوبي، دون وقوع إصابات.
ويبدو أن الاحتلال قد صُدم من عملية حدثت في المكان الذي يعتقد بأنه الأكثر هدوءاً، وهكذا حاصرت قوات الاحتلال أريحا منذ عشرة أيام، وبعدها أعلنت مجموعة من الشبان المسلحين عن تشكيل كتيبة عقبة جبر التابعة لكتائب القسام، وهذا ما دفع الاحتلال للجنون، وهو يعتقد أن العمليات التي تُنفذ في المطاعم أكثر خطورة من تلك التي تنفذ على الحواجز.
عشرة أيام
تصاعد الحصار والاقتحامات، وفي اليوم الأول اعتقلت قوات الاحتلال خمسة عشر شخصا، ثم أفرجت عنهم مع نهاية اليوم، حينما اكتشفت ألا أحد منهم مطلوب أو مقاوم، ثم اعتقلت في اليوم الثاني ثمانية لنفس الهدف، وزادت في الأيام التالية من إحكام قبضتها على المخيم، وحاصرت عدة منازل وسط اشتباكات مع مقاومين، ومواطنين عزل التفوا حول مقاومتهم، وخلال ذلك قصفت أحد المنازل بقذائف مضادة للدروع، مما أسفر عن إصابة نحو 13 فلسطينيا بجروح فضلا عن إلحاق الدمار في المنازل، قبل أن تنسحب كما كل ليلة.
الليلة السابقة كانت مختلفة، ما قبل الفجر بدأت العملية حينما تمكن مقاومو عقبة جبر من إسقاط طائرة استطلاع تتبع لقوات الاحتلال، فاقتحم الجنود المخيم واعتقلوا شاكر عمار القيادي في حركة حماس بعد مواجهات حامية مع شبان المخيم.
مهران براهمة صحافي من أريحا أخبر (الرسالة) أن الطوق الأمني مشدد على مدينة أريحا، لكن العملية تحديدا كانت في مخيم عقبة جبر وما جرى كان عبارة عن مناورة، ولكن مكان المنزل الذي اقتُحم كان في أريحا، ويبعد عن المخيم كيلو مترا تقريبا، مضيفا: "هي منطقة إسكانية جديدة وكان الشباب يختبؤون في منزل يشبه الكوخ، دخلته القوات الخاصة واشتبكت معهم هناك".
صدمة أمنية
المحلل السياسي سامر عنبتاوي تحدث (للرسالة) عن ارتباك واضح لدى الاحتلال خلال اقتحامه لمخيم عقبة جبر في أريحا.
وذكر أنه ليس لديه معلومات كافية وواضحة، مبينا أن العمليات الفردية مربكة جدا للاحتلال لأن رصدها أصعب، فلا يعرف من يريد أن يعتقل، ولا كيف، قائلا: "يجب أن يفهم أن هذه الطريقة التي يستخدمها ليست مجدية بل ينتج عنها مزيد من التوسع في العمليات وعلى الاحتلال أن يعترف بفشله".
ولفت عنبتاوي إلى دور الطبيعة الجغرافية لأريحا، مذكرا بأنها منطقة زراعية واسعة وبعيدة عن المخيمات والمدن القريبة من بعضها والمزدحمة والمتواصلة كما في الضفة، بل هي مدينة سياحية هادئة، وقد شكل ظهور كتيبة أريحا صدمة حقيقية لدولة الاحتلال.
لم يهدأ الوضع في أريحا، وما زال هناك حاجز نصبه الاحتلال على مدخل المخيم وآخر على مدخل البلدة، يدقق في الهويات على المداخل ويدخل المزيد من الأرتال العسكرية، حتى زادت الأوضاع وتأججت وسُمع دوى إطلاق النار.
لثلاث أو أربع ساعات كان الجنود مصرين على محاصرة أحد المنازل، التي يعتصم فيها المقاومون الخمسة، استشهدوا جميعا بعد اشتباك بالأسلحة وصودرت جثامينهم، بالإضافة إلى مواطنين اثنين كانا في محيط المنزل.
وتحدثت مصادر إعلامية (إسرائيلية) عن أسماء بعض أفراد الخلية الذين تمت تصفيتهم وهم: رأفت عوضات ومالك لافي منفذا عملية إطلاق النار على مفترق ألموغ، بالإضافة إلى أدهم عوضات وإبراهيم عوضات وهو شقيق رأفت ومسلح آخر وأصيب 3 بجروح خطيرة، أحدهم حول للمستشفى الاستشاري في رام الله لخطورة إصابته.
ثمن طبيعي
ومخيم "عقبة جبر" في أريحا يضم نحو 11 ألف نسمة، وواجه هو ومخيم عين السلطان في المدينة صلف الاحتلال وعنفه.
صدمة الاحتلال واضحة مما حدث في أريحا، حتى أن محللين يقولون إن التغطية الإعلامية (الإسرائيلية) في الثلاثة أيام الأخيرة كانت تركز على أخبار أريحا بالدرجة الأولى، ويرى اللواء واصف عريقات المحلل العسكري أن أي عمل عدواني ضد المواطنين له ثمن، وهذا ما يجب على الاحتلال أن يعرفه.
أريحا بوابة فلسطين، وهي سلة غذائية وأمنية (لإسرائيل)، وليس سهلا عليها أن تقبل بأي قوة مقاومة داخلها.
ووفق عريقات فإن أريحا تعد من المناطق الصعبة بالنسبة للاحتلال لأن الأغوار مناطق أمنية شديدة الحساسية، لافتا إلى أن هناك عوامل أمنية ودينية واستيطانية وحدودية تجعل أريحا رقما صعبا وحساسا بالنسبة للاحتلال.
وأوضح أن العوامل السابقة مشتركة جعلت الاحتلال يجن جنونه ويحاصر أريحا منذ عشرة أيام حصارا قاسيا مدعما بالمعدات والمدرعات كثيرة العدد.
ويقول عريقات: "أريحا هي المنطقة الهادئة بالنسبة للاحتلال"، فمن مأمنه يؤتى الحذر، حسب تعبيره، "وقد كان الاحتلال يتعامل مع ( مدينة القمر) وكأنها مضمونة، ولكن من هنا كانت صدمة الاحتلال".
ويتابع: "لذا يجب على الاحتلال أن يعي أن لكل فعل ردة فعل، وتمدد المقاومة شيء طبيعي ورد فعل لعمليات التصعيد التي تقوم بها الحكومات (الإسرائيلية) المتعاقبة، والتي تعتقد أنها من خلالها تقضي على المقاومة، وإذا بالمقاومة تقوم من جديد وتصفعهم، ليخرج بدل الشهيد عشرة".