في آخر شهر من العام الماضي استشهد عمار مفلح (22 عاما) بعملية إعدام بدم بارد نفذها جندي صهيوني في الثاني من ديسمبر أمام الكاميرا، رصاصات اخترقت الجسد واخترقت قلوبنا، حين دار سحب شرطي سلاحه وقتل عمار إثر شجار بينهما.
ووثقت الجريمة بالصوت والصورة في بلدة حوارة جنوب نابلس، ولم يكتف الاحتلال بالقتل، بل صادر جثمان مفلح لسبعة وعشرين يوما أشعلت النار في قلب العائلة.
واستلمته العائلة مع نهاية يناير بالتكبيرات في مستشفى رفيديا، جسدا متجمدا مشوه الوجه بسبع رصاصات نخرت جسده كله، ولا زال مشهد الإعدام أمام الكاميرات حاضرا في كل دقيقة في ذاكرة عائلة مفلح.
ولكن قصة عمار لم تنته بموته، لأن الشهيد لا يموت.
فقبل أيام أعلنت لجنة لبناء مسجد في قرية عصيرة القبلية، عن شيك مرجع، لم يكن له رصيد، تبرع به شخص مجهول، حينما كانت تجمع التبرعات من قرية أوصرين جنوب نابلس في شباط/ فبراير 2022.
في ذلك التاريخ أتى إلى مكان جمع التبرعات شاب في مقتبل العمر، وحرر شيكا بقيمة ألف شيكل، وسلمه للقائمين على جمع التبرعات، ورحل، وبعد ذلك اكتشفت اللجنة أن الشيك بدون رصيد.
بحثت اللجنة عن أصل الشيك وتتبعت صاحبه بمساعدة البنك، حتى حصلت على اسمه واكتشفت أنه عمار مفلح الذي سلم الشيك في يوم استشهاده، ورحل قبل أن يودع مبلغه في حسابه بالبنك.
قال قريب مفلح: "اشترت اللجنة مواد بناء بقيمة مبلغ الشيك، ولكن في موعد استحقاق الشيك أعاده البنك لأنه بدون رصيد، وتتبع المقاول وصاحب شركة البناء أخبار الشاب المجهول، وحاول الاتصال به لكن بدون نتيجة، حتى اكتشف بالنهاية أنه عمار الذي استشهد قبل شهرين من موعد استحقاق صرف الشيك.
في سبيل إعمار المسجد، وعن روح الشهيد عمار، جمع أهل الخير قيمة الشيك ليدفعوه نيابة عنه، وعن روحه، فكان عمله مستكملا كل أجره حتى بعد مماته.
ذكرى عمار لم تغادر عقول الفلسطينيين لأن الصورة لا زالت حاضرة أمامهم وهو يرتقي على طريق حوارة، الطريق التي يلتقي فيها الفلسطيني مع المستوطن كل يوم ويتعرض لعمليات استفزاز كثيرة لم يقبلها مفلح في ذلك اليوم، ولأجل كرامته رفض الشاب العشريني كل أشكال الاستفزاز فخاض معركة وحيدة مع جندي مسلح، سحب سلاحه وقتل مفلح أمام أعين العالم.