كانت الوحدة القسامية الخاصة (101) رهن إشارة قائد الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" الشهيد صلاح شحادة حين وجه لها رسالةً بالغة السرية من خلف قلاع الأسر، "افتحوا البوابة الشرقية"، وكانت هذه الكلمات الثلاثة إيذانا ببدء مرحلة أسر الجنود، ليكون أسر الجندي الصهيوني آفي سبروتس باكورة سلسلة عمليات الأسر القسامية.
تلقى الشهيد القائد محمود المبحوح ورفيقه المجاهد محمد نصار الأوامر، وباشرا فورا في التخطيط لعملية أسر جنود صهاينة، وفي السابع عشر من شباط عام 1989، بدءا بالتنفيذ وتخفيا بلباس يهود متدينين، فوجدا الجندي الصهيوني آفي سبورتس على مفترق "هداي" قرب قرية جولس في الأراضي المحتلة وطلب منهم توصيله إلى عسقلان.
لم يكن سبورتس يعلم أنه وصل إلى مصيره المحتوم، فبعد أن صعد إلى السيارة في الكرسي الخلفي قاما بقتله بإطلاق النار عليه، واخفيا جثته ودفناه في مكان متفق عليه مسبقا قبل مصادرة سلاحه وأوراقه الشخصية.
إخفاء للمساومة
قُتِل سبورتس واختفت آثاره دون أن يعلم الكيان الصهيوني عن أمره إلا بعد عدة أيام، كما ولم يعرف أي معلومات عن مكان إخفائه إلا بعد عدة أشهر، وطوال فترة اختفاء سبورتس، نفذ الاحتلال عمليات بحث وتفتيش واسعة جنّد لها آلاف الجنود من المشاة وقصاصي الأثر، لكنهم فشلوا في الاستدلال على آثاره، وبعد مضي ثلاثة أشهر ومع قدوم فصل الصيف تسربت رائحة جثته وعلم الاحتلال مكانها.
أرادت القسام مساومة الاحتلال على جثة سبورتس مقابل تحرير مئات الأسرى المعتقلين داخل سجون الاحتلال، لكن قدر الله بألا تكتمل، وبدأت تدور في أروقة المؤسسة الأمنية الصهيونية وجود خلية تقف وراء عمليات الأسر هذه، وبرز اسم القائد محمود المبحوح بوقوفه وراءها، واعتُقِل عدد من رفاقه.
مطاردة الخلية
مضى المبحوح في حملة مطاردة طال أمدها، فراوغ العدو في مختلف الميادين وفشل في الوصول إليه واعتقاله، ما دفعه إلى هدم منزل عائلته في مخيم جباليا كعمل انتقامي، وبعد اشتداد مطاردة الاحتلال للقائد المبحوح في قطاع غزة، قرر السفر للخارج فاجتاز مع رفاقه الحدود المصرية، فاعتقلته السلطات المصرية أربعين يومًا، ثم رحلته إلى ليبيا، وبعدها قرر الانتقال إلى سوريا ليستقر فيها حتى استشهاده في عملية اغتيال نفذها الموساد الصهيوني في دبي بدولة الإمارات عام 2010.
لم يستطع العدو طوال سنوات عديدة من الوصول إلى الشهيد المبحوح، وغاب عن وطنه فلسطين مجبرًا خلال رحلة المطاردة، وتملؤه العزيمة بمواصلة الدرب الذي سار عليه من سبقوه، وبذل الجهد الكبير وعمل العظيم من أجل دعم مسيرة المقاومة الطويلة، فواصل طريقه من الخارج.
غيض من فيض
كانت عملية أسر الجندي سبورتس، بمثابة غيض من فيض، لما تلاها من عمليات أسر متعاقبة نفذتها كتائب القسام، فكانت الكتائب ولا تزال تصب كل جهودها وإمكاناتها من أجل تحرير الأسرى وفكاك قيدهم من السجون الصهيونية.
وعلى الرغم من أن العمليات السابقة لم تؤتِ أُكلها بإبرام صفقة لإطلاق سراح الأسرى، لكن القسام واصلت الطريق متسلحة بالعزيمة ونجحت في مرادها، وأرغمت الاحتلال على تنفيذ صفقة تبادل تاريخية عام 2011م بتحرير 1027 أسيرا مقابل الجندي جلعاد شاليط الذي أسرته عام 2006 من داخل دبابته واحتفظت به في غزة لخمس سنوات رغم العمليات الأمنية والاستخباراتية في معرفة مكان احتجازه.
على رأس الأولويات
وفي الوقت الحالي تمتلك كتائب القسام أوراق قوة، تستطيع المقاومة أن تُجبر الاحتلال من خلالها على التوصل لصفقة تبادل أسرى، وذلك بما تُحكم به قبضتها على أربعة جنود أسرى صهاينة، فهؤلاء الأسرى لن ينعموا بنور الحرية حتى ينعم بها أسرانا الأبطال.
ويؤكد عضو المكتب السياسي ومسؤول ملف الأسرى في حركة "حماس" زاهر جبارين أن قضية الأسرى ستبقى على رأس سلم أولويات الحركة، وأن حماس قدمت للوسطاء خارطة طريق واضحة لإبرام صفقة جديدة، مؤكداً أن المقاومة تمتلك الذراع القوية لتحمي إنجازاتها.
ويزخر سجل كتائب القسام بأكثر من 25 عملية ومحاولة أسر، تكلل بعضها بالنجاح والاحتفاظ بالجنود، فيما حالت الأقدار دون نجاح عدد آخر منها، والتي انتهت بالاشتباك مع جنود الاحتلال وقتل الجنود المأسورين، وهذا ما يظهر وضع حماس قضية تحرير الأسرى على سلم أولوياتها.
ورغم مماطلة العدو وعدم جديته في إبرام صفقة تبادل جديدة، إلا أن حركة حماس ستبقى الوفية لأسرانا في سجون الاحتلال، تعمل من أجل حريتهم، وهم على موعد مع بزوغ فجر حرية جديد ينعمون فيه بالحرية والانعتاق من قيد السجان الصهيوني.