نزوره الآن وليس غدًا

-وائل-محيي-الدين-الزرد-oroue2v7rw6f6jgjaa1663iig5qlgcrgnq7iuym0qo.jpg
-وائل-محيي-الدين-الزرد-oroue2v7rw6f6jgjaa1663iig5qlgcrgnq7iuym0qo.jpg

الشيخ وائل الزرد

كنتُ في جلسة كريمة بصحبة بعض الإخوة الأكارم، لبثنا مدة من الزمن نتسامر حتى أذَّن المغرب فصلينا ثم أفطرنا على ما قُدِّر لنا، وجلسنا معًا بعدها وأكملنا حديثنا حتى جاءت صلاة العشاء فأقام أحدُنا الصلاة ثم تقدمت فوقفت بالإخوة إمامًا، وقرأت ما تيسر من القرآن وبعد الصلاة سألت عن صاحب لنا لم يحضر اللقاء، افتقدته وقلت: أين فلان؟

 فقال لي أحد الإخوة الحاضرين: لقد ماتت أختُه فانشغل بها، واليوم هو اليوم الثاني للعزاء.

 فقلت: إذًا نزوره إن شاء الله، فقال لي: نزوره الآن، فقلت: لا، ولكن سنزوره في وقت لاحق، فأصرَّ صاحبُنا على الزيارة فاستجبت بلا شك، لأن من المعاني الجميلة التي تربينا عليها: [إن عزَّ أخوك فَهُنْ]

 وفعلًا ذهبنا معًا لزيارة أخينا لنشاركه العزاء، ولنقدم له واجب المواساة، وقد سعدت أنني ذهبت ولم أؤجل الزيارة، ولكني سألت صاحبي: لماذا بقيت مُصرًّا على الزيارة الآن وليس في موعد آخر؟

 فقال: صدقني لو لم نذهب الآن -ربما- ما ذهبنا معًا أبدًا، فالحياة مليئة بالانشغالات التي يدفع بعضُها بعضًا، وقد ازدحمت الواجبات، حتى ما يكاد الواحدُ منا يفرغ من واجبٍ أو حاجةٍ إلا ويبرز له واجبٌ آخر أو حاجةٌ أخرى...

 قلت: صدقت والله، وهذا أصبح مجربًا، وقد كتبت بعد الموقف مقالًا كما أذكر باسم "لا تتأخر عمَّا لا يتكرر" ووصلت إلى نتيجة بعد هذا الموقف البسيط، أن الحسم في قضايا الحياة يحتاجها الواحد ليتجاوز كثيرٍ من العقبات، ويوفر كثيرًا من الأوقات، وينزل عن كاهله كثيرًا من الواجبات والالتزامات، بل ويوفر على نفسه سيلًا من الندم والحسرات!

 ومع التجربة أقول لكم: إن تأخير إنجاز بعض الأمور التي يحين وقتُها، ليس مما يُحمد عليه الإنسان، بل إن التأخير والتأجيل كثيرًا ما يورد العبد الموارد، ويجعل الواحد يعض أصابع الندم، ويقول: ليتني فعلت وليتني قلت، ولكن "ولات حين مندم".

 وكثيرةٌ  هي المواقف التي لا تتكرر في حياتنا، وكثيرة هي المواقف التي تحتاج إلى حسم وسرعة اتخاذ قرار، لأنها لا تتعوض، وكثيرة هي المواقف التي تحتاج إلى رأي سديد يخرج من صاحب حكمة وتجربة، عاش تاريخ النفوس وخَبَرَ مجريات الناس، وعلم أن الناس إن لم يقضوا حاجاتهم اليوم -كسلًا- فلن يقضوها غدًا.

 وأخيرًا أقول:

 "أقدم حيزوم" ولا تتأخر، وإياك من [لَعَلَّ وَعَسَى] فإنهما يصلان بك إلى [لَيْتَنِي] و"إِيَّاكَ وَالتَّسوِيف، فَإِنَّكَ بِيَومِكَ وَلَستَ بِغَدِكَ، فَإنْ يَكُن غَدًا لَكَ فَكُنْ فِي غَدٍ كَمَا كُنتَ فِي اليَومِ، وَإنْ لَمْ يَكُن لَكَ غَدٌ لَم تَندَمْ عَلَى مَا فَرَّطْتَ فِي اليَوم".

البث المباشر