إنها المرة الثانية التي تجد الحاجة (نظيرة) فيها نفسها على الطريق، تقول: "أخرجونا في عام 2006 وهدموا البيت، لم نأخذ شيئا حتى دواء ابني، لدي ستة أبناء، وكل منهم لديه عائلة وأطفال، سننام على الطريق، أحضروا لنا خيمة، سننام في الخيمة أنا وأحفادي، ما الذي يمكن أن نفعله وأين نذهب؟ لو بتروح رقبتي ما بسيب أرضي".
كل يوم يخرج أهالي وادي قدوم متظاهرين ضد سياسة الهدم التي طالت منازلهم في بلدة سلوان قضاء القدس، والحاجة نظيرة هي واحدة منهم، هدم الاحتلال منزلها الأسبوع الماضي للمرة الثانية.
ووادي قدوم واحد من مناطق القدس الشرقية المكتظة بالسكان، وقبل شهر تأجل هدم عمارة وادي قدوم الشهيرة للمرة الثانية، ولا تزال 13 عائلة فلسطينية تنتظر مصيرها في الحي ببلدة سلوان بالقدس الشرقية، تحارب مخاوفها من مصير مجهول بعد قرار تأجيل الحكومة (الإسرائيلية) الهدم إلى أجل غير مسمى، بعد تدخل رئيس وزراء الاحتلال في القرار الذي أصدره المتطرف إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي (الإسرائيلي).
والشهر الماضي، أصدرت قوات الاحتلال قرار هدم بحق منزل المواطن المقدسي علي أبو صوي من حي وادي قدوم للمرة الثالثة على التوالي، واليوم أبلغته بإعطائه مهلة أسبوع واحد فقط للقيام بهدم منزله ذاتيا؛ ليتجنب دفع رسوم باهظة في حال قامت آليات الاحتلال بالمهمة.
وقالت القناة العبرية الثانية، إن القرار تأجل "بضغط من الإدارة الأميركية"، وإن مسؤولين أمنيين يحذرون من أن تنفيذ الهدم وسط التوترات قد يؤدي إلى جولة عنف جديدة شرقي القدس المحتلة.
وسُجلت في محافظة القدس 37 عملية هدم خلال شهر فبراير 2023، بينها 11 عملية هدم ذاتي قسري، وشملت عمليات الهدم منازل مأهولة بالسكان وأخرى قيد الإنشاء، بالإضافة لمنشآت زراعية وحيوانية وتجارية، وعمليات تجريف أراضٍ وأسوار استنادية.
ولعل سياسة عدم إعطاء الترخيص للبناء هي الحيلة (الإسرائيلية) التي تجيز الهدم، فكل بناء غير مرخص يهدم، وكل بناء هُدم لأن الاحتلال يرفض إعطاءه التراخيص، والتراخيص تظل معلقة في المكاتب دون رد لأصحاب الأراضي، وحسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (حكومي)، فإن عدد المنازل التي تم هدمها منذ احتلال (إسرائيل) للقدس عام 1967 بلغ أكثر من 1900 منزل.
وأصيب العشرات من المقدسيين قبل أسبوع، خلال مواجهات في قرية جبل المكبر في القدس، بالتزامن مع عمليات هدم في القرية، حيث أطلقت قوات الاحتلال القنابل الغازية والأعيرة المطاطية باتجاه السكان الواقفين أمام منازلهم رافضين قرارات الهدم.
فخري أبو دياب من لجنة الدفاع عن سلوان يقول: "إن هناك مخططا بإشراف بن غفير للانتقال من الهدم الفردي للهدم الجماعي في مدينة القدس، لتقليل أكبر عدد من السكان لتغيير الواقع الديموغرافي، وعادت البلدية لفتح ملفات البستان والشيخ جراح ووادي قدوم".
ويسعى الاحتلال -وفق أبو دياب- لبناء ما يسميه حديقة وطنية، فيما سينتقل الهدم إلى بطن الهوى ووادي الربابة ووادي حلوة، قائلا: "هناك وباء اسمه الاستيطان والهدم يأكل مدينة القدس".
5640 دونما هي مساحة سلوان، هذا يعني أن أكثر من عشرة آلاف شخص مهددون بالطرد والهدم، ويقول عبد الكريم أبو سنينة من لجنة الدفاع عن أراضي وادي الربابة: "إن محاولات السيطرة والهدم ومصادرة الأراضي في سلوان لصالح مشروع (التل فريك) اشتدت في الفترة الأخيرة، ففي وادي الربابة توسع الهدم وزادت الهجمة شراسة، بالإضافة إلى تجريف القبور، وهذا الأمر محرم حتى في الديانة اليهودية".
ويتابع أبو سنينة: "تهديد أحياء سلوان أصبح سياسة شرسة لا تطاق، حتى إن الهجمات اقتصادية، وقرارات الهدم تشمل مناطق كاملة فيها مشاريع اقتصادية، ورغم وقوف السكان وقفة واحدة إلا أن قرارات الهدم ما زالت توزع على المواطنين، ومعظمها طلبات هدم ذاتي".
وبين أن "عمليات الهدم تتم ليلا بعيدا عن أعين الإعلام، كما أن أصحاب المنازل لا يحبون أن يظهروا أمام الإعلام وهم يهدمون منازلهم".
وأكد أبو سنينة ما قاله أبو دياب، حيث إن "الاحتلال يستهدف بنايات كاملة فيها شقق وعدد كبير من الأشخاص، لأنه في حالة الهدم سوف يرحل هؤلاء إلى الضفة الغربية، وبالتالي فإن الاحتلال يسعى لتفريغ المدينة من أكبر عدد من السكان، فالهدف من عمليات الهدم هو الطرد بالدرجة الأولى".