على ضوء إعلان إفلاس بنك وادي السيليكون قبل ساعات، يبدو أن معقل التكنولوجيا الأبرز عالميا يواجه أزمة مرتبطة بتحوُّلات الاقتصاد العالمي العنيفة في السنوات الأخيرة.
بيد أن ما جرى بالأمس لم يكن أول أزمة يواجهها وادي السيليكون، فقد شهد العام الماضي موجة ضخمة من الإقالات في قطاع التكنولوجيا بالولايات المتحدة، لا سيما بين الشركات الكبرى مثل غوغل وفيسبوك وأمازون وأبل، وهو ما ناقشه "برايان مِرشانت"، الكاتب والمؤلف المتخصص في ملفات التكنولوجيا والبيئة والقضايا العُمَّالية، في تقرير نشرته مجلة "الأتلانتيك" الأميركية.
نص الترجمة:
مع الانهيار الداخلي المأساوي متعدد الأبعاد لشركة "ميتا"، وتحطم القطار السريع لشركة "تويتر" المملوكة لإيلون ماسك، والانتفاضة العُمَّالية المشهودة ضد "أمازون"؛ لم يكن العام الماضي عاما كارثيا استثنائيا بالنسبة لأكبر شركات التكنولوجيا الأميركية فحسب، بل كان عام تصفية الحسابات كلها.
إن عمالقة التكنولوجيا الذين شكَّلوا حياتنا على الإنترنت وفي الحياة الواقعية على مدار القرن الحادي والعشرين انتهى بهم المطاف إلى حائط صد، فقد شهدت كل من "أمازون" و"ألفابت" و"مايكروسوفت" و"ميتا" و"أبل" انخفاض قيمتها السوقية إلى حد الانهيار أحيانا، وقلَّص الكثير منها قوته العاملة.
وخسر 120 ألف موظف على الأقل وظيفته العام الماضي. لقد تحطمت إذن أمام أعيننا أسطورة المؤسس العبقري، التي حالت لزمن طويل دون توجيه انتقادات وفيرة إلى العديد من هؤلاء العمالقة.
إن هذه الشركات التي انطلقت بوعود ربط العالم بعضه ببعض، والتفكير على نحو مختلف، وإتاحة المعلومات للجميع، وتحقيق الديمقراطية التكنولوجية، قد استغرقت معظم سنوات العقد الماضي في اتخاذ الخطوات ذاتها التي اتخذتها الشركات الكبرى على مر التاريخ سعيا للنمو على نحو أكبر، مثل تفضيل الربح على الأمان، والتوسع سوقيا على حساب نزاهة المنتجات والخدمات التي تقدمها، وزيادة العائد المالي على حساب الابتكار.
بيد أنها اتخذت تلك الخطوات على نطاق أوسع بكثير، وبوتيرة أسرع، وبشكل أكثر تأثيرا. إن وادي السيليكون، الذي تحكمه الآن الشركات الاحتكارية، وتشوبه علاقات عمل استغلالية، ويعتمد اعتمادا مُفرطا على العمالة غير المستقرة، يبدو مُنطلِقا بسرعة في طريق مسدود.
لقد تعثرت مؤخرا بعض أقوى الشركات وأكثرها ربحا وتوسُّعا في التاريخ الإنساني، والمرتبطة شكليا على الأقل بالابتكارات المتنوعة، إذ إنها تفشل فشلا ذريعا في خلق المستقبل الذي طالما صوَّرته في دعايتها، أو حتى الحفاظ على العوالم التي استطاعت خلقها بالفعل.
وبعد وصولها إلى ذلك الحجم الهائل، فإنها لم تعد قادرة أو راغبة في إدارة المجتمعات الرقمية التي بنتها.
وتقف هذه الشركات مشلولة أمام تطوير منتجاتها، كما أنها خفَّضت أنشطتها لتقتصر على الممارسات الاحتكارية مثل تقاضي الأموال عن الاشتراكات، وتقليد أو شراء صغار المنافسين. نتيجة لذلك، يبدو أن تحقيقات قضائية لمكافحة الاحتكار تلوح في الأفق، إذ إن سياسات شركات وادي السيليكون الكبرى لم تعد ترضي أحدا، بل إن هناك إجماعا على أن كراهية كبرى شركات التكنولوجيا باتت فعليا واحدة من القضايا المُتفَق عليها بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة.