قائد الطوفان قائد الطوفان

جوزيب بوريل.. تطوع في مستوطنة وتحول إلى مناصر لفلسطين (بورتريه)

وكالات- الرسالة نت

                                                                                                                                                  سياسي واقتصادي ونقابي ومهندس طيران إسباني اشتراكي، وأستاذ لمادة الرياضيات. 

فسرت تصريحاته بشكل سلبي بعد أن اقتطعت من سياقها العام، فاتهم بالعنصرية رغم أنه صاحب مواقف متقدمة في الدفاع عن الإسلام في أوروبا وبشكل خاص في بلده أسبانيا. 

والآن بات أمام مرمى النيران (الإسرائيلية) الطائشة التي تطلق في جميع الاتجاهات على وقع حكومة متطرفة ومنفلتة تماما بلا قائد. 

نشأ جوزيب بوريل، المولود عام 1947، في قرية صغيرة بأقليم كتالونيا، حيث امتلك والده مخبزا صغيرا.  

بعد إتمامه التعليم الأساسي، وبسبب موقع قريته البعيد عن المدارس فقد تلقى بوريل تعليمه في المنزل بمساعدة أمه ومعلم متقاعد، وخضع لامتحانات الشهادة الثانوية الرسمية. 

تابع تعليمه العالي بفضل عدة منح دراسية، وانتقل إلى برشلونة لدراسة الهندسة الصناعية، لكنه غادر المدينة إلى مدريد لدراسة هندسة الطيران في جامعة "مدريد التقنية" وتخرج منها عام 1969.  

عمل بوريل في صيف 1969 متطوعا في "كيبوتس غال أون" بالقرب من كريات جات في فلسطين المحتلة، حيث التقى زوجته الفرنسية اليهودية كارولين مايور (بحسب الموقع الصحفي الإسرائيلي أورورا ديجيتال باللغة الإسبانية)، والتحق في تلك الفترة بالجامعة لدراسة الاقتصاد فحصل على درجة البكالوريوس ولاحقا دكتوراه الاقتصاد من  جامعة "كمبلوتنسي" في مدريد. 

ولم يتوقف بوريل عن الدراسة فحصل على درجة الماجستير في الرياضيات التطبيقية (أبحاث العمليات) من جامعة "ستانفورد" في كاليفورنيا، ودرجة الدراسات العليا في اقتصاديات الطاقة من "المعهد الفرنسي للبترول" في باريس . 

دخل إلى عالم السياسة في السبعينيات من القرن الماضي بصفته عضوا في "الحزب الاشتراكي العمالي" الإسباني خلال فترة انتقال إسبانيا نحو الديمقراطية، وشغل عدة مناصب حكومية، أولها في وزارة الاقتصاد والمالية بصفة أمين عام للميزانية والإنفاق من عام 1982 إلى 1984 ومباشرة أمين الدولة للتمويل حتى عام 1991. 

 ثم انضم إلى مجلس الوزراء بصفته وزيرا للأعمال العامة والنقل حتى عام 1996.  

وبعد أن أصبح في صفوف المعارضة فإنه فاز في انتخابات عام 1996 بصورة غير متوقعة بالانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي فأصبح في عام 1998 المرشح المعين لرئاسة مجلس الوزراء عن الحزب إلى أن استقال في عام 1999 لينتقل بعدها إلى السياسات الأوروبية، ليصبح عضوا في البرلمان الأوروبي خلال الفترة ما بين عامي 2004 و2009 وتولى منصب رئيس البرلمان الأوروبي لأول نصف من مدة الولاية. 

ثم عاد من جديد إلى المناصب في بلاده إسبانيا، وشغل منصب وزير الشؤون الخارجية ما بين عامي 2018 و2019، قبل أن يصبح الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية منذ عام 2019.  

أظهر من خلال وجوده في هذا المنصب نشاطا ملحوظا في القضايا الدولية، فهو منذ أيام يتصدر عناوين الأخبار بعد أن رفضت سلطات الاحتلال السماح له بزيارة تل أبيب، وقالت إنه "لا يستحق أن يحضر إلى هنا". 

وزعمت أنه "قدم عدة طلبات للحضور إلى هنا، ولم تستجب وزارة الخارجية لطلبه". وذهبت الخارجية أبعد من ذلك بكثير حين قالت إنه "لا يوجد سبب لمكافأته على سلوكه". 

لكن مسؤولا في الاتحاد الأوروبي نفى كل ذلك قائلا: "نحن لسنا على علم بأن بوريل سيكون ممنوعا من زيارة إسرائيل، وهو لم يكن يحاول دخول إسرائيل، وخلاصة القول: نحن لسنا على علم بوجود أي حظر أو أي قرار من قبل المسؤول الإسرائيلي، بأن السلطات الإسرائيلية لا تسمح لجوزيب بوريل بزيارة إسرائيل". 

الغضب الإسرائيلي جاء بسبب تصريحات بوريل ضد دولة الاحتلال والمقارنات التي أجراها بين "حماس" والحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو. حين قارن بوريل بين "الهجمات الفلسطينية وأعمال الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين". 

وكان بوريل قال لدى زيارته الجزائر، إن "إسرائيل هي الوحيدة التي ترفض السلام على أساس حل الدولتين من بين باقي الجهات"، مضيفا أن "الجميع، باستثناء حكومة إسرائيل، يريدون ذلك، وبالنسبة لنا فإن هذا هو الحل الوحيد القابل للتطبيق". 

ودعا بيان صادر عن بوريل نيابة عن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، الاحتلال لوقف التوسع الاستيطاني "غير القانوني بموجب القانون الدولي"، وإلى "ضمان محاسبة مرتكبي أعمال العنف من المستوطنين ضد الفلسطينيين". 

ودعا ممثلون أوروبيون سلطات الاحتلال للتراجع عن قرارات إجلاء عائلات فلسطينية من منازلها في الشيخ جراح وسلوان والبلدة القديمة في القدس. 

وربما لم يعجب الاحتلال موقف آخر للدبلوماسي الأوروبي بوريل المتعلق بالملف النووي الإيراني، فقد  أكد بوريل في وقت سابق ضرورة العودة إلى الاتفاق النووي، لافتا إلى أن "التكتل سيواصل العمل مع طهران من أجل استعادة العمل بالاتفاق النووي الإيراني المبرم في عام 2015". 

وأضاف: "اتفقنا على أنه يتعين علينا إبقاء الاتصالات مفتوحة، والعودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة على أساس مفاوضات فيينا". 

كما أنه يرفض إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة الكيانات الإرهابية، قائلا إن "هذا الأمر لا يمكن أن يصدر به قرار دون محكمة، قرار من المحكمة أولا. لا يمكنك أن تقول أنا أعتبرك إرهابيا لأنك لا تعجبني". 

وحين يتحدث بوريل عن الحرب في أوكرانيا فهو يستخدم مصطلحا أقرب إلى إشارة تحذير حمراء قائلا "أوروبا في خطر". مشددا على أن الاتحاد الأوروبي لن يشارك في النزاع في أوكرانيا، ولكنه سيواصل تقديم المساعدة العسكرية لكييف، ويتابع سياسة العقوبات ضد روسيا. 

بوريل مدافع قوي عن وحدة إسبانيا، وهو ما يجعل الانفصاليين الكتالونيين يعتبرونه خائنا حيث تزايدت مشاعر الكراهية الكبيرة ضده، حسبما اشتكى بوريل في تصريحات صحفية سابقة. 

بوريل هو صاحب المصطلحات المباشر والصادمة، فهو صاحب التصريح المستفز الذي قاد هجوما كاسحا عليه حين  شبه أوروبا بـ"حديقة متميزة"، والعالم من حولها "أدغال" يمكن أن تغزو الحديقة. 

بوريل قال في كلمة له خلال افتتاح الأكاديمية الأوروبية للدبلوماسية بمدينة بروج البلجيكية: "أوروبا حديقة، لقد أنشأنا هذه الحديقة جميعنا… فيها أفضل مزيج من الحرية السياسية والآفاق الاقتصادية والتماسك الاجتماعي… بقية العالم ليس في الحقيقة حديقة. معظم بقية العالم أدغال، وقد تغزو الأدغال الحديقة". وأضاف أنه يتعين على أوروبا أن تكون منتبهة لمثل هذا الوضع و"تعتني بحديقتها". 
وعاد بوريل إلى تقديم الاعتذار حول سوء فهم تصريحاته، ونفى أن يكون عنصريا أو استعماريا. 

تسجل له مواقف متقدمة جدا من الإسلام والعرب والحوار بين الأديان والرهان على حل القضية الفلسطينية، ثم مناهضة السياسة الأمريكية خاصة في حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب. وأعرب عن رفضه لاتفاقيات أبراهام عام 2020، واعتبرها غير مجدية، كما أنه كان من أكبر الرافضين لنقل ترامب السفارة الأمريكية إلى القدس العربية المحتلة. 

يعد في أوروبا أكبر المدافعين عن الفلسطينيين، وهو ما جعل الاحتلال يتخوف من تأثير مواقفه وسط الأوروبيين بشأن القضية الفلسطينية. 

ومن ضمن الأمثلة، أنه كان المسؤول الأوروبي الوحيد الذي فاتح الاحتلال في موضوع ارتفاع نسبة القتلى في صفوف الفلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي، مطالبا بإنهاء هذا الوضع. 

وذات احتفال بذكرى اغتصاب فلسطين قال وهو وزير خارجية إسبانيا إن "الاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس دولة إسرائيل ملطخ بالدماء". 

حين عين في منصبه الحالي كان الأمر أشبه بدلو ماء بارد سكب على رأس تل أبيب، فهذا الدبلوماسي المخضرم سريع الغضب وحاد اللسان، لا يتوقف عن الاقتراب من الرواية العربية الفلسطينية للصراع مع المحتل في كل المناسبات التي يتحدث فيها.

المصدر: عربي21

البث المباشر