ما إن أعلنت قناة إم بي سي mbc عن بدئها تصوير مسلسل يتعلق بسيرة الصحابي " معاوية بن أبي سفيان" والذي سيُعرض في رمضان القادم بتكلفة تجاوزت 100 مليون دولار، حتى فاجأت قناة عراقية متابعيها بإعلانها عن إنتاج فيلم يمجّد قاتل الخليفة "عمر بن الخطاب"، بعنوان "شجاعة أبي لؤلؤة"، معتبرة ما قام به المجوسي أبو لؤلؤة شجاعة وقوة.
قناة "الشعائر" العراقية الموالية لإيران قالت إنها ستبدأ بالتحضير لإنتاج الفيلم، الذي يشارك فيه عدد كبير من الممثلين والفنانين الإيرانيين والعرب، من العراق وسوريا ولبنان، واصفة العمل بأنه "أكبر إنتاج درامي إسلامي تاريخي لهذا العام".
ومن جهتها قررت هيئة الإعلام العراقية، منع عرض مسلسل "معاوية"، الذي يقوم بإخراجه طارق العريان على بعض القنوات العراقية، ووجهت نسخة من القرار إلى قناة "إم بي سي" العراق الفضائية، وقناة الشعائر الفضائية. كما قررت شركة إم بي سي المنتِجة لمسلسل "معاوية" الذي يتناول حياة الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، أن تمتنع عن عرضه على "إم بي سي" العراق، على أن يعرض على باقي قنوات الشبكة خلال شهر رمضان المقبل، وبحسب رسالة موجهة من مكتب الشبكة في بغداد إلى هيئة الإعلام والاتصالات العراقية، فإن العمل لن يعرض في العراق، "التزاماً بقواعد البث الإعلامي الصادر عن الهيئة". وأن "معاوية" سيعرض على جزأين: 15 حلقة في شهر رمضان، و15 حلقة في الفترة التي تليه.
"لا داعي لجرح مشاعر إخوتكم المسلمين"
تدور أحداث المسلسل حول الفتنة الكبرى، وهي الفترة التي تغطي أحداث الفتنة، بعد استشهاد الخليفة عثمان بن عفان، مرورا بتولي الإمام علي بن أبي طالب، ثم استشهاد علي في المسجد وتولي الحسن، ثم تنازل الحسن وتولي معاوية، وتولي يزيد، وحتى استشهاد الحسين في كربلاء، ويتناول المسلسل أيضا أحداث معركتي الجمل وصفّين.
وقال الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، في بيان عبر "تويتر": "أرى من الأجدر والأفضل بل المتعيّن أن تتراجع قناة "أم بي سي" عن بثّ مسلسل (معاوية)، فهو رأس الفتنة الطائفية وأوّل من سنّ سبّ الصحابة، وأوّل من خرج عن إمام زمانه، وشقّ صفّ الوحدة الإسلاميّة، وأوّل من قتل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم"، معتبراً أنّ "بثّ هذه المسلسلات مخالف للسياسات الجديدة المعتدلة التي انتهجتها المملكة العربية السعودية الشقيقة". وأضاف الصدر: "لا داعي لجرح مشاعر إخوتكم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها".
الحكاية متجددة، فقد رفضت جهات عديدة بث مسلسل سوري عنوانه "معاوية والحسن والحسين" لأسباب مختلفة، إذ شهد تجسيد شخصية معاوية على يد الفنان رشيد عسّاف وكذلك شخصيتي الحسن والحسين، حفيدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وابني الخليفة علي بن أبي طالب، مما اضطر العديد من المحطات التلفزية، إلى رفض عرض هذا المسلسل، خاصة بعد اعتراض مجمع البحوث الإسلامية (أحد هيئات الأزهر)، على تقديم شخصيات دينية معلومة في أعمال فنية، وبينها الأنبياء والعشرة المبشرون بالجنة والصحابة وآل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
في جامع عقبة بن نافع
بدأ تصوير مسلسل "معاوية"، في جويلية من العام الماضي بمدينة "الحمامات" السياحية، وبالتحديد في استوديوهات "كارتاغو فيلم"، كما تم تصوير بعض المشاهد في بعض المدن التونسية الساحلية، مثل مدينة المهدية والنفيضة والمنستير، وقع الاختيار عليها لتشهد تصوير أغلب الأحداث لطبيعتها التي تتناسب مع الفترة التاريخية التي تشهدها أحداث المسلسل، كما تم تصوير بعض المشاهد في مدينة القيروان التونسية، داخل وخارج جامع عقبة بن نافع.
يجسد الفنان إياد نصار دور علي بن أبي طالب، وهو الدور الذي سبق أن قدمه الفنان غانم الزرلي في مسلسل عمر الذي عُرض سنة 2012، ووقع اختيار فريق العمل على الفنان الفلسطيني علي سليمان، في دور معاوية بن أبي سفيان، لكنه استبعد من مسلسل معاوية بن أبي سفيان، بسبب اللغة العربية، لأن نطقه للعربية الفصحى، غير سليم، لذلك قرر فريق المسلسل تعويض علي سليمان بالفنان السوري لجين إسماعيل.
الفنانة المصرية الشابة أسماء جلال تلعب دور زوجة معاوية بن أبي سفيان المقربة، وتجسد سهير بن عمارة دور هند بنت عتبة والدة معاوية بن أبي سفيان، وهو الدور الذي مثلته الفنانة منى واصف في فيلم الرسالة، ويجسد الممثل السوري وائل شرف شخصية الصحابي عمرو بن العاص، ويجسد الفنان السوري يزن خليل شخصية عتبة بن أبي سفيان. كما يشارك في المسلسل ممثلون من مصر مثل سوسن بدر ومحمد رياض، ومن سوريا أيمن زيدان وسامر المصري وميسون أبو سعد. وتجسد التونسيتان، عائشة بن أحمد وجميلة الشيحي، دوري زوجتي معاوية، ومن تونس أيضا، يشارك عدد كبير من الممثلين التونسيين، من بينهم: سهير عمارة التي تقدّم شخصية هند بنت عتبة، وجمال المداني، ومنصف العجنقي، ومراد الغرسلي، وياسين بن قمرة، وخالد هويسة، وأميرة درويش، وأمير الدريدي، وطارق المناعي، ومحمد حسين قريع، وخالد حمام، وحكيم بلكحلة، ومحمد مراد، وغانم الزرلي وغيرهم.
بين الأزهر والقرضاوي
ولم يعلق الأزهر الشريف الذي أثارت قناته "أزهر تي في"، سجالاً على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب منشور تعريفي بالصحابي معاوية بن أبي سفيان، بمناسبة ذكرى ولادته الموافقة لـ 23 من رجب، ولم يبد موقفا من مسلسل معاوية، ولكن المراقبين لا يعتقدون أن تغييرا سيحصل في موقف الأزهر، الذي ما زال متمسكا برفضه تجسيد الأنبياء والصحابة والعشرة المبشرين بالجنة في الأعمال الفنية، حيث تتضمن أحداث المسلسل ظهور العديد من الصحابة، ولهذا سيرفض الأزهر عرض مسلسل "معاوية" على القنوات المصرية، بسبب تجسيد شخصيات مثل معاوية، والخليفة عثمان بن عفان، والإمام علي ضمن أحداثه. وسبق للأزهر أن رفض عرض مسلسلات عربية تم تقديمها، تضمنت ظهور بعض شخصيات الصحابة والمبشرين بالجنة وآل البيت.
ما جدوى المنع؟
المسلسل أثار مخاوف إثارة فتنة نائمة، وتأجيج خلاف وصراع مضت عليه قرون في وقت تواجه فيه القدس تهويدا شرسا بأجندات المتطرفين، لكنه أيضا مناسبة لطرح أسئلة تتعلق بالحكمة من عدم إظهار الصحابة في أعمال فنية، "ما الذي يمنع تجسيد الخلفاء وبعض الصحابة على الشاشة؟ ألم يمنع الأزهر ظهور حمزة بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ما حال دون عرض فيلم "الرسالة" في مصر منذ إنتاجه عام 1976؟ هل منعت الفتوى معظم الفضائيات العربية من عرض الفيلم؟
وما جدوى المنع، بعدما ثبت أن محاصرة الأعمال الفنية في عصر التكنولوجيات المنفلتة، والسماوات المفتوحة، ضرب من العبث. ألم تتجاهل قنوات فضائية قرارات المنع التي أصدرها الأزهر في حق مسلسلات كثيرة، مثل مسلسل "يوسف الصديق". وقد استندت القنوات الفضائية إلى فتوى أصدرها الدكتور يوسف القرضاوي بجواز ذلك".
اليوم يتكرر المشهد مع مسلسل "معاوية"، الرافضون لعرض هذا المسلسل ينطلقون من دوافع ومبررات سياسية واجتماعية متعلقة بحالة الاستقطاب الطائفي "السُّني/ الشيعي" والمواجهة السياسية والأيديولوجية، التي لم تخل من نوازع مذهبية، بين إيران وعدد من دول الخليج العربي، وعلى رأسها، المملكة العربية السعودية.
هل يمكن منع الأعمال الفنية اليوم؟ يتساءل علاء اللامي في مقال له بعنوان مسلسل "معاوية بين محاذير الفتنة ولا جدوى المنع"، مستدلا بأعمال سبق أن مُنعت وحُظرت ومع ذلك وجدت طريقها إلى الجمهور العريض بطريقة أو بأخرى -لعل آخر مثال من هذا القبيل هو الفيلم البريطاني "سيدة الجنة" الذي كتب قصته وحواره، ياسر الحبيب، فرغم رفض هذا الفيلم من مراجع ومؤسسات دينية شيعية عديدة رفضاً بلغ درجة تحريم رؤيته "لأنه مثير للفتنة الطائفية" فإنه ما يزال يعرض على عدة قنوات، ومنصات رقمية، منها "يوتيوب" حيث شاهده أكثر من مليوني شخص، ولكن بديل المنع شبه المستحيل عمليا، يمكن أن يكون أكثر جدوى، أي وضع العمل نفسه، تحت الأضواء الناقدة المنهجية، للتقليل من أضراره المجتمعية.