أكّد المكتب السياسي للجبهة الشعبية، أن مشاركة السلطة الفلسطينية في لقاءي (العقبة) و(شرم الشيخ) تمثل انقلابًا على الإرادة الشعبية، وتمرداً على قرارات الإجماع الوطني الرافضة لهذه المشاركة والمحذرة من نتائجها.
وشدّد المكتب في بيان صدر عنه، على أنّ هذه المشاركة تعكس إصرارًا من السلطة الفلسطينية على التمسك بالدور الوظيفي الذي حدده جوهر اتفاقات أوسلو وملحقاته الأمنية، وضربها عرض الحائط بقرارات المجلسين الوطني والمركزي، بإلغاء تلك الاتفاقيات وما ترتّب عليها سياسيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا، وإلغاء الاعتراف بـ(إسرائيل).
توقّف المكتبُ السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في دورة اجتماعاته المنعقدة في شهر آذار/ مارس أمام المستجدات السياسيّة على الصعد الوطنيّة والعربيّة والدوليّة، كما على صعيد الكيان الصهيوني، وقد شدّد على أهميّة معالجة الوضع الداخلي باعتباره أساسًا لمواجهة التحديات كافةً التي تواجه شعبنا الفلسطيني وقضيّته الوطنيّة.
وحذّر المكتب من أن هذه المشاركة ستُبقي السلطةَ رهينةً بشكلٍ تامٍ للشروط والإملاءات التي تفرضها هذه الاتفاقيات، خاصّةً الشق الأمني الذي يعني العدو أكثر من غيره، الذي كان عنوان لقاءي العقبة - شرم الشيخ؛ بهدف إجهاض العمل الوطني الفلسطيني المقاوم وإحباطه، وقطع الطريق على تناميه وصولًا لانتفاضةٍ شعبيّةٍ شاملةٍ تعيدُ للصراع طابعَه الشامل والمفتوح مع الكيان، وتهدّد مسار التطبيع واتّفاقات (أبراهام).
ونبّه إلى أن استمرار السلطة على هذا النهج المدمّر سيكون له تداعياتٌ خطيرةٌ على المقاومة في الضفة، وعلى الوضع الفلسطيني الداخلي، ما يتطلّب فضحَ هذا النهج ومواجهةً صريحةً له من المجموع الوطني سياسيًّا وإعلاميًّا وجماهيريًّا وبالوسائل الديمقراطية.
ودعا المكتبُ السياسي إلى مواجهة حالة الاستهداف بأبعادها وأطرافها كافة، من خلال الوحدة الميدانيّة والتأكيد على المقاومة نهجًا وثقافةً وأدوات، وحماية المقاومة وأفرادها وتشكيلاتها وبناها وسلاحها، وتوفير الغطاء السياسي لها، وتعزيز حاضنتها الشعبيّة بتوفير مقوّمات صمودها المطلوبة.
وجدّد المكتبُ السياسي دعوته لكلّ القوى السياسيّة والمجتمعيّة بأهميّة البدء فورًا في البحث بآليات تطبيق الاتفاقيات الموقّعة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، ويرى أنّ المبادرة التي تقدّمت بها الجبهةُ "الاستراتيجيّة الوطنية تحقيقًا للوحدة ومواجهة الاحتلال" آليةٌ مهمةٌ لتشكيل حالةٍ شعبيّةٍ وسياسيّةٍ ومجتمعيّةٍ واسعةٍ تأخذ على عاتقها فرضَ هذه الاتفاقيات بعد أن تمترست أطرافُ الانقسام وراءَ مصالحها، وعطّلت كلَّ الاتفاقيات.
كذلك وقف المكتبُ السياسي أمام قضية الأسرى ومعاناتهم في سجون العدو الصهيوني، وتصاعد حلقات الجريمة المنظّمة بحقّهم، من خلال ما يعرف بإجراءات وقوانين "بن غفير" التي انتصرت عليها الحركةُ الأسيرةُ أمسِ بعد أن أقرّت مجموعةً من الخطوات المضادة بما فيها الإضراب لمواجهة هذه القوانين والإجراءات الفاشيّة العنصريّة.
وقد حيّا المكتبُ السياسي انتصارَ الأسرى في معركتهم هذه؛ داعيًا إلى استمرار أوسع عمليّةِ إسنادٍ سياسيّةٍ وميدانيّةٍ وإعلاميّة وجماهيريّة، باعتبار قضيتهم أحدَ عناوين الصراع الأساسيّة ضدّ العدو، والعمل على تدويل قضيّتهم باعتبارهم أسرى حريّةٍ واستقلالٍ، والتوجّه للمؤسّسات الدوليّة والحقوقيّة المعنيّة بشؤون الأسرى لأجل ذلك.
وتوقف المكتب السياسي أمام الأزمة الداخلية في الكيان الصهيوني والتناقضات المتصاعدة، حيث يصرُّ نتنياهو على الاستمرار في إقرار القوانين والتعديلات القضائية، رغم ما تبذله وبذلته الدول الراعية للكيان من جهود لتبريد تلك التناقضات إلا أنّها ستبقى تتصاعدُ بفعل ما يشهده الكيان الصهيوني من تحوّلاتٍ عبّرت عنها الصهيونيّة الدينيّة تجاهَ يهوديّة الدولة، وتصاعد عدوانيّة حكومته الفاشية، ما قد يدفع لتصدير أزمتها للخارج.
وأشار المكتب إلى أنّ كلّ هذا يجري تزامنًا مع تصعيد العدو إجراءاته ضدّ شعبنا وقضيّتنا، والتي عبّر عنها المتطرف "سموترتش" بتصريحاته الأخيرة، ما يؤكّد على موقفنا من أنّ الصراع مع العدوّ الصهيوني صراعٌ تناحريّ لا يمكنُ أن يُحَلَّ بأوهامِ التسوية والسلام والحلول السياسية؛ بل بالمقاومة بأشكالها كافة حتى إلحاق الهزيمة به وبمشروعه المعادي.
وفى هذا السياق، دعا المكتب السياسي إلى تعميق مأزق هذا الكيان، وحماية وجودنا وحقوقنا عبر تصعيد المقاومة والاشتباك في المواقع والميادين كافة.
وعلى الصعيد الدولي، فإنّ الحرب الروسية – الأوكرانيّة أحد مظاهر التحوّلات الكبرى التي يشهدها العالم بالتحرر من عالم أحادي القطبية نحو عالم متعدد الأقطاب، رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية الساعية لاستمرار الحرب واستنزاف روسيا لمنعها من التحول إلى قطب عالمي جديد وهو ما وجه روسيا نحو توسيع علاقاتها ومبادلاتها الاقتصادية نحو الشرق.
وتوقّف المكتبُ السياسيّ أمام الاتّفاق الإيرانيّ السعوديّ الذي رعته الصين، والقاضي بإعادة العلاقات بينهما والفتح المتبادل للسفارات خلال شهرين من عقده، وهذا يعدُّ نجاحًا كبيرًا لسياستها الخارجيّة.
و رحّبت الجبهة بهذا الاتفاق باعتباره أحدَ الخطوات التي يمكن أن تبرّد الصراع الإقليمي، وتكشف زيف الادّعاء بالصراع المذهبي، وكذلك الحرب السعودية على اليمن التي نأمل أن يسهمَ هذا الاتّفاق في وقفها، ويعمل على الحد من الهيمنة والنفوذ الأمريكي على المنطقة وصولًا لإنهائها.
وحذّرت الجبهةُ من محاولات تخريب الاتفاق من الإدارة الأمريكيّة ودولة الكيان، وأي خطواٍت مستقبليّةٍ قد تترتّب عليه على مستوى العلاقات الخليجية الإيرانية.
وعلى صعيد الأزمة المالية الأمريكية، فإنّ انهيار ثلاثة بنوكٍ أمريكية خلال شهر آذار 2023 غيرُ بعيدٍ عن التحوّلات الدولية والأزمات الناجمة عن الحرب الأوكرانيّة - الروسية، وكشف تناقضات النظام الرأسمالي، خاصةً بنموذجه الغربي الذي يخدم الطبقة البرجوازية ويحمي مصالحها، ويُحمِّل الطبقة العاملة وعموم الفقراء عواقبَ أزماته.
إنّ خطورة التطورات الراهنة والمخطّطات التي تستهدفُ قضيّتنا وحقوقنا الوطنيّة والتاريخية؛ تتطلبُ أعلى تماسكٍ ووحدةٍ في مواجهتها، وحدةٍ وطنيّةٍ يعكسُها برنامجُ تحرّرٍ وطنيّ، ومؤسّساتٌ وطنيّةٌ يعادُ بنائها ديمقراطيًّا، خاصةً منظّمة التحرير الفلسطينيّة؛ الممثّل الشرعي والوحيد لشعبنا؛ كي تكونَ قادرةً على قيادة نضالنا الوطني، وأن يتوفّر فيها شراكةٌ وطنيّةٌ حقيقيّةٌ لا غنى عنها في إدارة الصراع مع الاحتلال.
وفي الختام، توجّه المكتب السياسي بتحيّة إجلالٍ وإكبارٍ إلى روح الشهيد القائد محمد الأسود "جيفارا غزة" ورفيقيه كامل العمصي وعبد الهادي الحايك وشهداء فلسطين والجبهة الشعبيّة كافةً بمناسبة يوم الشهيد الجبهاوي، متوجّهًا أيضًا بالتحيّة إلى عوائل الشهداء والأسرى وأبنائهم وأمهاتهم.