لدى الولايات المتحدة مصلحة في تقليل التوترات أو عدم إدامة أو زيادة التوترات في منطقة الخليج. لكن تحسين العلاقات السعودية (الإسرائيلية) يتعارض مع ذلك.
ذا ناشونال إنترست:
بول ر. بيلار: ضابط سابق في الاستخبارات الأمريكية. خدم في مجموعة متنوعة من المناصب التحليلية والإدارية، بما في ذلك رئيس الوحدات التحليلية في وكالة المخابرات المركزية التي تغطي أجزاء من الشرق الأدنى والخليج وجنوب آسيا. عمل البروفيسور بيلار أيضًا في المجلس الوطني الاستخباراتي كواحد من الأعضاء الأصليين في مجموعتها التحليلية.
يبدو أن إدارة بايدن قد فقدت الإدراك بأولويات ومصالح الولايات المتحدة. يبدو هذا من خلال حراك دبلوماسي مستمر يضم (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية. أوضحت الإدارة رغبتها في رؤية هذين البلدين يوسعان علاقاتهما، وتفضيل التطور للعلاقات الدبلوماسية الكاملة، ومن الواضح أن هذا التوجه يُشكل، جزئيًا، سياسة الولايات المتحدة تجاه المملكة العربية السعودية مع وضع هذا الهدف في الاعتبار. لكن (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية تتعاونا بالفعل على نطاق واسع، بما في ذلك المسائل الأمنية الحساسة. ومهما كانت الفوائد العملية التي قد تُستمد من تطوير العلاقات، فهي بالفعل تحدث. لذلك فأهمية تطوير العلاقات لمستوى العلاقات الدبلوماسية الطبيعية ستكون في الغالب رمزية، وهذا يقودنا للسؤال عما سيعني أي تطوير للعلاقات بالضبط.
السبب الوحيد الذي يجعل معظم الدول العربية لا تُقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع (إسرائيل) هو استمرار الصراع (الإسرائيلي) الفلسطيني، بما في ذلك احتلال (إسرائيل) واستعمار الأراضي الفلسطينية وحرمان الفلسطينيين من تقرير المصير ومن الحقوق السياسية. يظل الموقف الرسمي لجامعة الدول العربية هو أن العلاقات الطبيعية بين الدول العربية و(إسرائيل) ستكون بعد إيجاد حلٍ عادلٍ لهذا الصراع. على الرغم من أن بعض الدول خرقت هذا الإجماع، إلا أن المملكة العربية السعودية لم تفعل ذلك. من الواضح أن هذه القضية هي أحد جوانب السياسة السعودية التي واصل فيها الملك سلمان بن عبد العزيز تأكيد سلطته وعدم تفويض ابنه، ولي العهد محمد بن سلمان في ذلك الأمر.
وهكذا، فإن ما سيرمز إليه إقامة العلاقات الدبلوماسية بين (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية، هو قدرة (إسرائيل) على الاستمتاع بالعلاقات الطبيعية مع الدول المجاورة على الرغم من مواصلة احتلالها وعدم حل النزاع الفلسطيني، دون وجود أي تغيير أساسي في السياسة (الإسرائيلية). المستفيد الوحيد من هذه رمزية هذه العلاقة هو حكومة (إسرائيل) اليمينية. إنها بمثابة هدية، "الضفة الغربية وعلاقات دبلوماسية" وهذا ما كانت تطمح له الحكومات (الإسرائيلية) المتعاقبة منذ فترة طويلة.
لن يستفيد أي أحد. من الواضح أن الفلسطينيين لن يستفيدوا من ذلك. الدول العربية الأخرى لن تستفيد، دون حساب أي منافع جانبية تتلقاها كمكافأة على تقديمها هذه الهدية. ولن تستفيد قضية السلام والاستقرار في الشرق الأوسط كذلك.
وبالتأكيد، لن تستفيد الولايات المتحدة. من خلال الحد من أي حافز (إسرائيلي) لحل الصراع مع الفلسطينيين، فإن مثل هذا التطور سيكون مخالفًا لمصالح الولايات المتحدة من خلال إطالة مصدر التوتر والاستياء على مستوى المنطقة التي ترتبط فيها الولايات المتحدة بشكل معتاد بالأفعال (الإسرائيلية) السيئة.
أي تطوير للعلاقات الدبلوماسية السعودية (الإسرائيلية) سيكون تحت ما يسمى "اتفاقيات إبراهيم"، حيث قامت البحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة بتطبيع علاقاتهم مع (إسرائيل). تم التسويق لهذه الاتفاقات من قِيل إدارة ترامب بشكل كبير "كاتفاقيات سلام"، لكنها لم تكن كذلك. مثل المملكة العربية السعودية، لم تكن هذه الدول العربية في حالة حرب مع (إسرائيل) وحافظت بالفعل على تعاون أمني مكثف وفي غيره من المجالات.
تُذكرنا الأحداث منذ تطوير العلاقات مع الدول العربية بأن الصراع (الإسرائيلي) الفلسطيني، بكل الآلام وعدم الاستقرار المرتبطة به، لن يختفي بغض النظر عن عدد الاتفاقيات الدبلوماسية التي يتم التوصل إليها مع الدول العربية. زاد العنف (الإسرائيلي) الفلسطيني، وكان العام الماضي هو الأكثر دموية بالنسبة (للإسرائيليين) منذ عام 2015 والأكثر دموية للفلسطينيين -قتلت القوات (الإسرائيلية) 146 من الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية -منذ أن بدأت الأمم المتحدة في رصد وتسجيل هذا العنف عام 2005.
لكن المتشددين (الإسرائيليين)، الذين قد يشجعهم طبيعة الكعكة "اتفاقات إبراهيم"، يبدو أنهم يعتقدون أن الصراع يمكن أن يتم تهميشه أو نسيانه بطريقة أو بأخرى. فقد صرح وزير المالية (الإسرائيلي) بيزاليل سموتريتش، الذي من ضمن مسؤولياته أيضًا إدارة الضفة الغربية، أنه "لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني". (قد يسأل المرء سموتريتش-الذي صرح مؤخرًا أنه يجب على (إسرائيل) "مسح" مدينة حوارة الفلسطينية -إذا لم يكن هناك شيء اسمه الشعب الفلسطيني، فمن هو الذي سيتم مسحه في حوارة).
لم يُفاقم تطوير العلاقات بين (إسرائيل) والإمارات العربية المتحدة والبحرين الصراع (الإسرائيلي) الفلسطيني فقط، ولكن أيضًا عزز التوترات الموجودة وخطوط الصراع في الخليج. ترى (إسرائيل) في هذه العلاقات مع الدول العربية الخليجية تحالفًا عسكريًا مناهضًا لإيران. يخدم وضع الأمور فبهذا الإطار، هدف الحكومة (الإسرائيلية) المتمثل في إدامة العداء والتوتر تجاه إيران. يخدم التوتر الدائم مع إيران بدوره الأغراض (الإسرائيلية) لإلقاء اللوم على إيران في كل شيء غير مرغوب فيه في الشرق الأوسط، مما سيؤدي في النهاية لإضعاف منافس محتمل في الإقليم، ويعوق أي تقارب بين الولايات المتحدة وإيران، وتحويل الاهتمام الدولي بعيدًا عن سلوك (إسرائيل).
يتعارض كل هذا مع المصالح الأمريكية. لدى الولايات المتحدة مصلحة في تقليل التوترات أو عدم إدامة أو زيادة التوترات في منطقة الخليج. تُهدد زيادة التوتر في تلك المنطقة بإرباك أسواق الطاقة العالمية، والمخاطرة بجر الولايات المتحدة إلى نزاع مسلح، وإعاقة الدبلوماسية اللازمة للحد من السلوك المدمر أو السيطرة عليه من قبل الدول الإقليمية، بما في ذلك إيران.
انطوى دفع إدارة ترامب القوي للدول العربية لتطوير العلاقات مع (إسرائيل) دفع أثمان جانبية ضارة. بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، شمل ذلك بيع طائرة قتالية من طراز أف 35، وهي خطوة تشجع سباق التسلح المتسارع في الخليج. بالنسبة للمغرب، كان الثمن هو التخلي عن الحياد الأمريكي في نزاع الصحراء الغربية، وهي خطوة تكثف التوترات بين المغرب والجزائر والجهود الدولية المعقدة لحل النزاع.
الآن مع المملكة العربية السعودية، هناك خطر بإعادة نفس السيناريو من دفع الأثمان. هناك تقارير بأن المسؤولين الأمريكيين يتفاوضون مع السعودية حول تطوير العلاقات مع (إسرائيل)، حيث يطالب السعوديون بثمن للموافقة على هذه الخطوة. لذلك تلبية هذه المطالب سيكون مخالفًا للمصالح الأمريكية ومصالح الاستقرار والأمن الإقليميين.
يريد السعوديون قيودًا أقل على استخدامهم للأسلحة المصنعة في الولايات المتحدة، والتي ستكون ترخيصًا للسلوك السعودي المزعزع للاستقرار والذي تم ممارسته بشكل أكثر وضوحًا من خلال الحرب الجوية السعودية المدمرة للغاية في اليمن. وهم يريدون ضمانات أمنية إضافية من الولايات المتحدة، والتي من شأنها أن تهدد بجر الولايات المتحدة إلى التواطؤ مع هذا السلوك، كما كان الأمر بالفعل إلى حد كبير في الحرب في اليمن. ويريد السعوديون المساعدة في بناء برنامج نووي، والذي من شأنه أن يزيد من مخاوف الانتشار النووي في المنطقة بطريقة -على عكس برنامج إيران على الجانب الآخر من الخليج -تتدخل فيه الولايات المتحدة بشكل مباشر.
حتى لو كان ما تقدمه المملكة العربية السعودية في المقابل يصب في المصلحة الأمريكية، فمن المحتمل أن يكون ما يتشكل صفقة سيئة. حقيقة أن ما سيفعله السعوديون هو مجرد شيء يريده نظام أجنبي مختلف عنا، وليس شيئًا من شأنه أن يطور المصالح الأمريكية، ما يعني أنه لا يوجد سبب حتى للنظر في الصفقة.
بشكل عام، كلما تواصلت دول الشرق الأوسط مع بعضها البعض من خلال القنوات الدبلوماسية العادية، كلما كانت المنطقة أكثر استقرارًا. لكن لا يمكن تعزيز الاستقرار من خلال التخفي خلف اتفاقيات "السلام"، مع وجود ترتيبات معادية لإيران ومناهضة للفلسطينيين. سيمنع تشجيع الولايات المتحدة مثل هذه الانقسامات من أن تكون صانع سلام حقيقي.
سيمنع هذا الجانب من سياسة الولايات المتحدة -الذي اتسمت به العديد من الإدارات الأمريكية -من لعبها دور بناء السلام البناء، مثلما فعلت الصين مؤخرًا في التوسط في استعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة العربية السعودية. بالنظر إلى الطبيعة السامة للعلاقة السعودية الإيرانية في السنوات الأخيرة، التي شكلت النقطة الرئيسية للصراع في الخليج، وكان الصراع المسلح عبر الوكلاء كما في اليمن أو حتى مباشرة، ما أنجزه الصينيون هو خطوة حقيقية لنزع التوتر وتحرك نحو السلام. رحبت إدارة بايدن، ويحسب لها ذلك، بالاتفاق، وإن كان ذلك بحذر.
لذلك، لماذا تسعى الإدارة إلى صفقة غير بناءة تتمثل في شراء السعوديين لتلبي احتياجات الرغبات (الإسرائيلية)؟ قد تكون الادارة الأمريكية جزئيًا، تتصرف بناء على تصور قديم، ولكن عفا عليه الزمن الآن، ومفاده أن أي توسيع في العلاقات بين (إسرائيل) ودول الشرق الأوسط الأخرى سيشكل بالفعل خطوة نحو السلام. قد يكون ذلك جزئيًا، بمثابة محاولة لمنافسة إدارة ترامب فيما ادعت أنها أنجزته من خلال "اتفاقيات إبراهيم". في الغالب، ربما يعكس هذا العادة السياسية الأمريكية المتمثلة في أن دعم الأهداف الحكومية (الإسرائيلية) يعني "التأييد لـ(إسرائيل)"، وربط ذلك بكونه عنصر ضروري للنجاح في الانتخابات.
حتى على مستوى السياسة البسيطة، يجب أن يعطي ما يجري مع (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية البيت الأبيض، بما في ذلك المستشارين السياسيين للرئيس، وقفة تأمل. لا يُظهر هذان البلدان فقط ميلًا لوضع إصبع في العين الأمريكية على الرغم من كل ما تقدمه الولايات المتحدة. كما فعلوا نفس الشيء مع جو بايدن شخصيا، وبذلوا الجهد لإحراجه.
يعكس مثل هذا السلوك التدخل في السياسة الأمريكية من قبل كل من (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية في اتجاه مؤيد للجمهوريين وبالتحديد لترامب. لذلك لا تُعتبر محاولة الإدارة الحالية تطوير العلاقات بين هذين البلدين سياسة سيئة فقط؛ بل إنها سياسة غريبة.
ترجمة خاصة – مركز الدراسات السياسية والتنموية