من المقرر أن تصادق حكومة الاحتلال، في اجتماعها القريب يوم الأحد القادم، على تشكيل الميليشيات المسلّحة الخاضعة لإمرة وزير الأمن القومي بن غفير بشكل شخصي، وسط تحذيرات فلسطينية و(إسرائيلية) من كونها عصابات مسلحة وفاشية خطيرة.
ويتضح أن شرطة الاحتلال (الإسرائيلية) تعرض تشكيل “الحرس القومي” كوحدة منفصلة عنها، تكون خاضعة مباشرة لوزير الأمن القومي بصفته رجلاً سياسياً له أجندته وأهواؤه. وتقول مصادر إعلامية (إسرائيلية)، صباح اليوم الأربعاء، إن المفتش العام للشرطة كوبي شبتاي قد اجتمع مع بن غفير، وإنهما يتجهان للاتفاق بأن تكون هذه الميليشيات خاضعة لتعليمات المفتش العام، فيما يقوم الوزير بتحديد مهامها، مما يعني إبقاء الوزير بن غفير صاحب سلطة عليها.
بين هذا وذاك، تحذّر أوساط (إسرائيلية) من مختلف الاتجاهات من خطورة هذه الخطوة، وتعتبرها لعباً بالنار وعبثاً بالأمن.
تحت عنوان “ميليشيا خاصة”، حملت صحيفة “هآرتس” على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وعلى الوزير المدان بالإرهاب بن غفير، واستذكرت فيها أن نتنياهو حذّر، قبل يومين فقط، من حرب أهلية، وهو، كما يليق بمحرض قومي، قام بذلك بدعمه تشكيل هذه الميليشيا الخاصة.
وتابعت “هآرتس”، في افتتاحيتها، بالقول إن “بن غفير تلميذ الحاخام العنصري الراحل مئير كهانا، هو مجرم مدان بمخالفة القانون، متطرف، ومحرض، وإقامة وحدات الحرس القومي التابعة له، وليس للشرطة، هو عمل عديم المسؤولية، وسيعرّض حياة المواطنين الذين لم يخالفوا القانون للخطر”.
وفي إشارتها إلى أن “الحرس الوطني” يستهدف المعارضين، وليس الفلسطينيين فحسب، أكدت “هآرتس” أن “القائد السياسي الذي لا يريد الحرب الأهلية لا يقيم وحدات شرطة خاصة لأكثر أعضاء حكومته تطرفاً. في الحقيقة إن خطوة نتنياهو هذه تشير إلى أن نتنياهو يستعد للحرب الاهلية”.
رسالة بن غفير
في ظل الانتقادات المتصاعدة لتشكيل هذه العصابات المسلحة، وسيصادق عليها في جلسة الحكومة القادمة بعد اقتطاع ميزانية كبيرة لها من ميزانية بقية الوزارات، وعلى حسابات خدمات متنوعة، قال وزير الأمن الوطني إنه سيسمح للشرطة بتأسيس وبناء وحدات الحرس الوطني، إذا نجحت في القيام بذلك في الأشهر القليلة المقبلة، زاعماً أن “الحرس الوطني ليس جيشاً خاصاً، ولا ميليشيات مسلحة”.
يشار إلى أن الحكومة السابقة اتخذت قراراً بإقامة “حرس” وطني تابع للشرطة الإسرائيلية، ضمن استخلاصاتها من أحداث “هبة الكرامة” في مايو/ أيار 2021، عندما هبت مدن الساحل التاريخية من عكا إلى يافا وبلدات فلسطينية أخرى كثيرة في الداخل نصرة للقدس والأقصى، عقب اعتداءات إسرائيلية شارك فيها وقتها بن غفير، ضمن مسيرة الأعلام ومداهمة الحي المقدسي العريق الشيخ جراح ومهاجمة سكانه، وتم ضبطه وهو يلوح بمسدسه.
وزير فاشي
من جهته، دعا رئيس “لجنة المتابعة العليا” لشؤون الجماهير العربية، محمد بركة، القوى الديموقراطية اليهودية في (إسرائيل) للمشاركة في مسيرة يوم الأرض في سخنين، إحياءً للذكرى الـ 47 ليوم الأرض الخالد، غداً الخميس. وحذّر بركة، في بيان صادر عن “لجنة المتابعة العليا”، من خطورة الاتفاق بين نتنياهو وبن غفير لإقامة ميليشيات فاشية تأتمر بأوامر الوزير الفاشي، ومدى خطورتها الكارثية على الجماهير العربية بشكل خاص، وعلى المجتمع (الإسرائيلي) بشكل عام، بوصفها ذروة التصعيد الفاشي لهذه الحكومة.
وقال بركة، في البيان، إن يوم الأرض هو نضال الجماهير العربية في البلاد من أجل حقوقها المدنية والقومية، في سبيل إلغاء سياسة التمييز والعنصرية الموجهة ضدها في (إسرائيل) منذ تأسيسها.
وأكد بركة أن المخاطر على مكانة وحقوق فلسطينيي الداخل في إسرائيل، تتصاعد في ظل سياسة حكومة نتنياهو وبن غفير وسموتريتش الفاشية، في سياق الهجمة غير المسبوقة التي تقودها هذه الحكومة من أجل تصفية الهامش الديموقراطي الضيق أصلاً في إسرائيل.
تهديد وجودي مباشر
وأضاف بركة: بلغ هذا التصعيد الفاشي ذروته أمس، عندما أُعلن عن إقامة ميليشيا شخصية تحت أمر بن غفير، المدان بالإرهاب ضد العرب. منوهاً إلى أن الاتفاق بين نتنياهو وبن غفير لإضفاء شرعية رسمية لعصابات مسلحة نيو- فاشية، هو تهديد وجودي مباشر من قبل إسرائيل، للمواطنين ككل، وللجماهير العربية بشكل خاص.
وتابع: “هذه العصابات يمكن أن تتحول إلى أداة سياسية بيد اليمين الفاشي لقمع كل مقاومة ديمقراطية لسياسته. هذه العصابات من الممكن أن تعمل بخدمة الوزير المدان بالإرهاب، في شوارع تل أبيب، حيث المحتجين، وضد العرب في اللد في آن. في القدس بشطريها الغربي والشرقي.
وخلص بركة للقول، متوجهًا إلى القوى الديمقراطية اليهودية: لا للغرق بالوهم بأن “إيقاف” تشريعات الانقلاب القضائي يشكّل انتصارًا للديمقراطية، لأن المقدمة الحقيقية للديمقراطية الحقيقية، هي إلغاء قانون القومية، وإلغاء سياسة التمييز، وتصفية الاحتلال وتوابعه.
وتابع: “هذا هو الوقت للعمل والنضال معًا، قبل فوات الأوان، وهو ما أصبح قريبًا جدًا”.
هل تكفي بيانات التنديد وتوصيف الحالة؟
ويتساءل مراقبون محليون؛ متى تبادر القيادات العربية الفلسطينية في الداخل إلى تجاوز البيانات والمبادرة لاتخاذ موقف واضح متكامل من الاحتجاجات في (إسرائيل) والمشاركة في مظاهرات منفصلة عن تل أبيب ترفع شعارات حول الديمقراطية الجوهرية المفقودة والمطلوبة، وحول القضية الفلسطينية المغيبة، وكذلك الاحتجاج الشعبي المثابر ضد تشكيل ميليشيات مسلحة من أبرز أهدافها غير المعلنة البطش بفلسطينيي الداخل.
كما يتساءلون؛ لماذا لا توضح “لجنة المتابعة العليا”، برئاسة بركة، والأحزاب العربية، بقيادة أيمن عودة، أحمد الطيبي، سامي أبو شحادة، منصور عباس، رائد صلاح، وغيرهم، موقف فلسطينيي الداخل بعدة لغات، وأمام الإسرائيليين، والعالم، حول كل ما يجري. مثلما يتساءلون عن استنكافهم عن تطبيق قرارات سابقة لهم بتدويل هذه المسائل، بما يشمل لقاءات مع سفراء أجانب في تل أبيب، وعلى رأسهم السفير الأمريكي توم نايدز، ودفعه لاتخاذ موقف، وهو يتحدث في الإعلام يومياً عن الديمقراطية في إسرائيل، متجاهلاً التهديدات المحدقة بالمواطنين العرب فيها، وهذا مجرد مثال.
كما يدعو مثقفون ومراقبون محليون “لجنة المتابعة العليا” لتطبيق قراراتها السابقة بفتح حوار مع يهود مثقفين متنورين حولها.
ويتساءلون مجدداً؛ هل تبقى القيادات الفلسطينية من هذه الناحية عالقة في توصيف الحالة، وفي بيان استنكار، رغم أن التهديدات خلف عتبة الباب، والحديث يدور هنا عن إعدامات ميدانية محتملة على يد هذه العصابات المسلحة التي سيقودها بن غفير؟
المصدر: القدس العربي