عن اجتياح المخيم.. ماذا اختلفت جنين اليوم عن الأمس؟!

الرسالة نت - محمود هنيه

لم يكن ذلك المخيم الذي يتوسط شمال الضفة طارئًا على تاريخ القضية لصغر مساحته أو كثافة عدد سكانه، بل كان الشاهد على "عناد" أصحاب الأرض في محطات وثّقها التاريخ، منذ حرقوا مخيمهم إبان الحملة الفرنسية بأيديهم، مرورا بإطلاق أول رصاصة على المستعمر البريطاني، وليس انتهاءً بإفشال الاجتياح عام 2002م.

المخيم كما تحبّ الضفة أن تسميه، يشار إليه عند الحديث عن المكان الأكثر التصاقا بالإصرار الفلسطيني، كما يتبادر سريعا لمن يسمع الاسم ذلك المكان الذي يأوي كل مقاوم ومطارد للاحتلال.

قبل 20 عامًا كان المخيم على موعد مع فصل استثنائي من فصول التاريخ الفلسطيني المعاصر، سجّل فيه علامة نصر في لحظات اكتسى فيه المشهد برمته سوادًا حالكًا مع مجزرة "السور الواقي" التي ابتلعت الأرض وشرّدت شعبا ومسحّت عوائل من السجل المدني.

كل ذلك كان أمام مشهد عربي ودولي متواطئ ضد القضية الفلسطينية ويجهزّ لدفنها وقبرها، لكنّه اصطدم مجددا بصخرة صلبة، وبمقاومة عنيدة أودت بحياة 50 من جنود الاحتلال.

ويفصّل الحكاية عضو غرفة العمليات في معركة جنين جمال حويل، لافتا إلى 3 معارك مهمة خاضها شباب المخيم الذين انضموا إليه من كل مناطق الضفة، وكانت كفيلة أن تحطم الخوف وللـأبد في نفوس أهل جنين.

وأشار حويل في تصريح خاص ب(الرسالة نت) إلى اللحظة التي قرر فيها مجرم الحرب شارون نسف المخيم تماما على رؤوس ساكنيه، في مجزرة ارتقى فيها قرابة 70 شهيدا، ودمر فيها قرابة 440 منزلا، وهي بالمعنى الإجمالي "تغيير وجه المخيم وقلبه رأسًا على عقب".

صمد المخيم واستبسل في الدفاع لشهر كامل في وجه جيش كامل العتاد يضم قرابة 3 آلاف شخص، بقوام 150 مقاتل تقريبا من مختلف القوى والفصائل الفلسطينية.

في تلك اللحظة وبينما يغلق العالم هاتفه في وجه رئيس السلطة الراحل ياسر عرفات، عاد ليتصل عليه مجددا، ويطلب منه (هدنة في جنين)، في مشهد أدرك فيه عرفات أن المخيم سيكون (جنين جراد)، وسيسطر ملحمة بطولية من نوع مختلف.

وأكد حويل أن عرفات أعاد الأمر لأهله، وترك قرار التهدئة للقيادة الميدانية، التي أكدت بشكل واضح في غرفة عمليات متواصلة، أنّ الاحتلال لن يدخل المخيم مهما كان الثمن.

"كنا على تواصل مباشر مع الشيخ أحمد ياسين ورمضان شلح وياسر عرفات" يقول حويل، مشيرا إلى أن الراحل عرفات وفر أموالا ودعما وكان لديه قرار سياسي واضح بالمقاومة حتى آخر لحظة، عبر القائد مروان البرغوثي.

ويضيف: "نجحت قيادة المقاومة في جنين بوضع نموذج مصغر للتصدي، عبر وضع سواتر ترابية وتفخيخ الحوائط بأنابيب المياه، وصنعت شبكة اتصالات بسيطة، وأخذت بعين الاعتبار كل السيناريوهات الناتجة عن تصعيد العدوان وحاولت أن تتجاوزها".

ورغم تواضع الإمكانات إلّا أنها أكسبت المخيم قدرة الصمود والقتال لوقت أكبر، حتى نفدت رصاصات المقاومين بعد شهر من الصمود والمقاومة، ليعلن رئيس الحملة لدى الاحتلال أنها أصعب معركة خاضها في حياته وفقا لحويل.

ويقول حويل كان الاحتلال يسأل أسرى المخيم عن أبسط الأشياء وأكثرها تعقيدا "ماذا كنتم تأكلون؟ ماذا كنتم ترتدون من ملابس؟ كيف كنتم تنامون وأين؟ محاولا معرفة سبب الصمود وسر اللغز في المخيم".

مكمن السر يلخصه حويل مضيفا: "أراد وقتها ياسر عرفات انتفاضة ودفع الأموال والعتاد لأجل نجاحها، فيما كان رجال من قوات الأجهزة الأمنية بقيادة الشهيد القائد يوسف ريحان أبو جندل جنودا في الميدان، كما كانت كل القوى الفلسطينية على قلب رجل واحد.

ويتابع: "أمّا اليوم، فيرفض رئيس السلطة محمود عباس أي شكل من أشكال المقاومة ويقولها بشكل صريح".

ويؤكد حويل أنّ هذا لا يمنع وجود مقاومين أشداء كأبو جندل من أبناء الأجهزة الأمنية الذين انقضوا على الاحتلال في الأشهر الأخيرة، رغم قلة الخبرة لديهم مقارنة بجيل المخيم عام 2002؛ مؤكدا أنهم أكثر إصرارا على الجهاد والشهادة، وينظرون للحياة بأنفة عالية وبزهد أكبر!"

وشدد على أنه لا مناص أمام الأجهزة الأمنية سوى الالتحاق بركب المقاومة، فهي في المحصلة تدرك أن الأفق السياسي لأي حل مغلق وللأبد، وأن الاحتلال لن يحقق لشعبنا أيا من مطالبه، إن لم يدفعها تحت تهديد السلاح والدم.

 

البث المباشر