خسر الاحتلال خلال جولة القتال أهم عنصر من عناصر توازن الردع، وهو الضربة الاستباقية، أو ما نسميها "الضربة المفاجئة"، وهي استراتيجية رئيسة في منظومة الحرب الصهيونية منذ سنوات طويلة، يحقق الاحتلال من خلالها عوامل امتلاك القوة ورسم الخارطة الهندسية لعمليات القتال على الأرض.
كيف خسر الجيش الصهيوني هذه الضربة؟
بالتأكيد هناك استراتيجية جديدة تعمل من خلالها المقاومة لتثبيت قواعد الاشتباك أمام الاحتلال، وفرض معادلاتها بالدم والنار، والعمل في مسار يحظى بالتفاف شعبي واسع، وهو أن تكون القدس البوصلة الموجهة لأي تصعيد في المنطقة، وبالتالي فإن قراءة الاحتلال لواقع القدس والمسجد الأقصى لم تكن بالمستوى الدقيق نتيجة الخلافات والانشقاقات الداخلية بين الحكومة والمعارضة، والتي على إثرها ظهرت مؤشرات عدم الثقة بين مؤسسة الأمن والجيش والمستوى السياسي، وهو ما دفع قوى اليمين الصهيونية لاتخاذ اجراءات قمع ضد المصلين في الأقصى دون أي ضوابط لسلوك الشرطة الصهيونية التي هي أيضًا تعاني من الانقسامات الداخلية والتجاذبات القانونية.
إلى جانب ذلك تركز سلوك الاحتلال نحو مسار التسوية مع الأردن والسلطة برعاية أمريكية لفرض الهدوء على باب العامود، وعلى باب الأسباط وشارع المجاهدين والتي تُعد الأماكن الأكثر سخونة وتوترًا خلال شهر رمضان، في حين أنه تجاهل ما حققته المقاومة في معركة سيف القدس، باعتبارها المحرك الرئيس لجبهات المقاومة في القدس والضفة وغزة.
على مستوى الإقليم
تفاجأ الاحتلال من موقف الأطراف العربية التي رفضت السلوك الصهيوني في الأقصى، واعتبرت ما يحدث يعبر عن جرائم صهيونية ضد المصلين، وانتهاك للهوية الإسلامية والعربية للمسجد الأقصى، وبالتالي فإن مستوى العلاقة بين الاحتلال والأطراف العربية بات يرزح تحت التهديد وما قد تؤول إليه الأوضاع في المنطقة.
على صعيد المقاومة، والقوى العسكرية للمحور
تعرض الاحتلال لضربة أمنية استراتيجية لم تكن ضمن حساباته في هذا التوقيت، لكنه لم يتجاهلها ضمن سيناريوهاته السابقة، إذ لم يستطع الاحتلال تحديد التوقيت المناسب الذي سيتعرض خلاله لضربات نوعية على مختلف الجبهات، وهو ما أفقد الاحتلال محددات الهندسة الأمنية التي تدعم وتوجه مؤسسة صنع القرار في الحكومة الصهيونية.
استراتيجية المقاومة في ضوء ما يحدث
بالتأكيد ان الشواهد تؤكد أن الاحتلال لن يتفرد بمهاجمة غزة، بل على العكس تمامًا، فإن ضبط حجم الرد الصهيوني على قطاع غزة وعلى جنوب لبنان، يؤكد أن الاحتلال استشعر الخطر الحقيقي والمهدد الاستراتيجي الذي بدأ فعليًا يضرب بنية الدولة ويتوعد بإزالتها عن أرض فلسطين، كما أن المؤشرات الميدانية تشي بأن المقاومة في كافة الجبهات تمتلك تنسيق عالي المستوى، ولديها خارطة قتالية في مواجهة الاحتلال وفق ضوابط تضمن الحفاظ على قدرتها في تغيير المعادلة ونقل المعركة إلى الأرض التي يغتصبها العدو.