قائد الطوفان قائد الطوفان

عيد الفصح وموسم الهروب للملاجئ

أحمد أبو زهري

أحداث وتطورات جديدة تشهدها الجبهة الشمالية بعد إطلاق عشرات الصواريخ باتجاه الأهداف الإسرائيلية انطلاقا من الأراضي اللبنانية بشكل غير مسبوق، بعد أن ساد الهدوء في تلك الجبهة لسنوات، فما الذي تغير في تلك الجبهة؟ وكيف يمكن معرفة الجهة التي تقف خلف إطلاق هذه الرشقات الصاروخية؟ وهل من رسائل معينة من وراء الحدث؟ يمكن الإجابة عن هذه التساؤلات في ضوء التطورات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية، وتحديدا العدوان المتصاعد في المسجد الأقصى، الذي نقل المشهد إلى مزيد من التصعيد في الضفة وغزة والـ48، وامتد ذلك إلى لبنان، حيث الجبهة الشمالية، حتى أصبحت جبهتا الشمال والجنوب على صفيح ساخن.

ويمكن القول إن تحريك الجبهة الشمالية وفتح جبهة جديدة في وجه العدو وإطلاق رشقات صاروخية منها أحد مكاسب وتراكمات معركة (سيف القدس)، التي شكلت مصدر إلهام لجبهات أخرى، وهو بمنزلة نجاح ملحوظ للمقاومة الفلسطينية في قدرتها على إشعال جبهات جديدة في وجه العدو الاسرائيلي، وخلق معادلة جديدة تزيد من حجم التهديد الأمني ضد العدو، وفرض تحديات خطرة من شأنها أن تجعله في حالة إرباك غير مسبوق، بعد أن حاول تسكين جبهة الشمال على مدار سنوات وحيّدها بعيدا عن دائرة الفعل والتأثير، لتعود مجددا وتحتل صدارة المشهد بعد أن بدأت هذه الحمم الصاروخية بالسقوط على الأهداف الإسرائيلية في أثناء ما يسمى (عيد الفصح) لتحول هذا العيد لموسم السباق نحو الملاجئ.

ليس هذا فحسب، فمن جانب تكشف هذه التطورات عن حجم التنسيق الكبير والتعاون الوثيق بين المقاومة الفلسطينية والمقاومة الإسلامية في لبنان، وتظهر مدى حنكة المقاومة وقدرتها على ردع العدو بطرق وأساليب جديدة من خلال (مفاجأته) برد صاروخي من جبهة أخرى من خارج فلسطين، فبعد أن كان في حالة استنفار وتحسب في مستوطنات الغلاف في جبهة الجنوب، جاء رد المقاومة مخالفا لكل حساباته وتقديراته الأمنية والعسكرية حتى أصيب بخيبة أمل بعد فشله الذريع في توقع أي هجوم من جبهة أخرى خارج فلسطين.

ومن جانب آخر فإن ما حدث في الجبهة الشمالية يظهر بشكل واضح أن الاعتداء على المسجد الأقصى يشكل حافزا لإشعال مختلف الجبهات، وأن الأمر لم يعد مقصورا على قطاع غزة أو الضفة الغربية والـ48، وأن الصراع دخل في مرحلة مختلفة تماما تفرض على العدو إعادة حساباته جيدا؛ لأن مساحة وحجم النيران توسعا، وكل الجبهات باتت فاعلة في حال أي عدوان على الأقصى، ولا يمكنه بأي حال النجاح بعد ذلك في عزل ساحة عن أخرى، أو تحييد جبهة عن أخرى، فالمشهد اليوم تغير وصواريخ لبنان ترسم خريطة ومسار عمل جديدين.

هذه المعادلة الجديدة التي فرضتها المقاومة بعد تفعيل الجبهة الشمالية وتوجيه رشقات صاروخية لجبهة العدو هي أكبر تحدٍ يشهده خلال عام 2023 بل ربما أخطر تحدٍ يواجهه خلال السنوات الماضية، وهذا ما جعله يصاب بالصدمة من هول ما حدث، ودفعه للانتظار لساعات طويلة لمراجعة حساباته قبل أن يتحرك للرد على هذه الهجمات الصاروخية، وقد ظهرت قيادة العدو وهي في (حالة ارتباك) عميقة، بعد أن فشلت المؤسسة الأمنية في التنبؤ بالهجوم وعجزت "استخباريا" عن قراءة نوايا المقاومة، وهذا يعيدنا أيضا لما حدث في معركة سيف القدس عام 2021 حين نجحت المقاومة في توجيه رشقة صاروخية للمستوطنات في القدس وخالفت كل تقديرات العدو ووجهت له صفعة قوية جعلته يقر بأنه عجز عن تقدير نوايا المقاومة في غزة.

 

المصدر: صحيفة فلسطين

البث المباشر