في إطلالته الأولى بعد تطورات الأحداث التي شهدتها الساحة الفلسطينية، عقب تنكيل الاحتلال بالمصلين والمرابطين في المسجد الأقصى، وما أعقبه من رد المقاومة بصواريخ انطلقت من غزة ولبنان وسوريا، جاء خطاب قائد حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار حاملا رسائل من نار وبارود.
الخطاب الذي ألقاه القائد السنوار خلال احتفال نظم بمدينة غزة، الجمعة، بمناسبة يوم القدس العالمي، تحت شعار (الضفة درع القدس)، يعتبر الأول له منذ نهاية العام الماضي، وقد فاجأ السنوار الجمهور والمراقبين بمشاركته في الحفل عبر حضوره شخصيا وليس عبر تسجيل مصور، بالرغم من التهديدات (الإسرائيلية) عقب التطورات الأخيرة.
وحمل الخطاب الأخير للسنوار، تأكيدا على المؤكد، حين حذر في كلمته باحتفال يوم القدس العالمي في العام الماضي، الاحتلال من مغبة تكرار صورة التنكيل بالمرابطين، منفذا تهديد المقاومة مع تكرار الصورة عند أعياد الفصح اليهودية، وفتح أكثر من جبهة قتال ضد الاحتلال.
وعلى رغم مرور نحو عامين على انطلاق معركة "سيف القدس"، في شهر أيار/مايو 2021، فإنّ هواجسها ما زالت تلاحق الاحتلال الذي بدا خائفا مترددا بشأن التعامل مع المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية، وخصوصاً في شهر رمضان المبارك.
ووثق المعتكفون في المصلى القبلي داخل المسجد الأقصى بعدسات هواتفهم، اقتحام قوات العدو باحات المصلى القبلي، ليلة الرابع عشر من رمضان، وما رافقه من اعتداء همجي على المصلين بهدف إفراغ المسجد منهم، وارتفاع أصوات النساء والرجال بالتكبير، وإصابة واعتقال المئات منهم.
وقد أظهرت مقاطع الفيديو قوات العدو وهي تعتدي على المصلين أثناء الصلاة وتقطع صلاتهم، وكشفت صور أخرى اعتداءات وحشية على النساء داخل باحات المسجد.
هذه المشاهد أثارت غضبا فلسطينيا عارما، وشهدت الضفة الغربية المحتلة العشرات من عمليات إطلاق النار على مواقع العدو والمستوطنين، وأسفرت عملية فدائية عن مقتل 3 مستوطنات في منطقة الأغوار، وأسفرت عملية دهس عن قتلى وجرحى في "تل أبيب".
وشهدت مدن فلسطينيي الداخل المحتل وقراهم مواجهات مختلفة، وأُطلق نحو 34 صاروخاً انطلاقاً من الجبهة اللبنانية، و3 صواريخ من الجبهة السورية، وعشرات الصواريخ من ساحة قطاع غزة، وهو ما اعتبره مراقبون تجسيدا لمعادلة وحدة الساحات والجبهات التي رسمت مسارها معركة "سيف القدس" في رمضان في أيار/مايو 2021.
وتتجلى أبرز الرسائل النارية التي تضمنها الخطاب الجديد للقائد يحيى السنوار فيما يلي:
الرسالة الأولى: جهوزية محور المقاومة
فقد أكد القائد السنوار أن محور القدس يعلن جهوزيته للدفاع عن القدس والأقصى، وذلك بعدما تخلت غالبية الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية عن واجبها في الدفاع عن القدس والأقصى.
وقال السنوار "نطمئن أمتنا بأننا قد قطعنا شوطا كبيرا على طريق جهوزية محور القدس لتحقيق وعد الآخرة".
وأوضح أنّ "شوطاً كبيراً قُطع في مسيرة بناء محور القدس، وهو قريب"، مشدداً على أنّ "يوم القدس بات باروداً وأنفاقاً وصواريخ ومجاهدين يتداعون إلى الموت في كل ميدان وساح".
الرسالة الثانية: أهل القدس ليسوا وحدهم
ووجه السنوار رسالة إلى أهالي القدس، مؤكداً أن قيادة المقاومة ومحور القدس ستؤازرهم وتحميهم، وهي تتابع تفاصيل رباطهم وتراقب سلوك قوات الاحتلال ضدهم كما حدث في الأيام السابقة.
وشدد "على أهمية الرباط في الأقصى، داعياً كل الأهالي في الداخل المحتل والضفة والقرى والبلدات والمخيمات والمدن إلى الانضمام للمرابطة في الأقصى.
وحذّر السنوار من أنّ أيّ أذىً يُصيب المرابطات في الأقصى "سيؤدي إلى سيل دماء كثير"، مؤكّداً أنّ "(إسرائيل) لم تفهم من تحذيرات الخارج، بل فهمت من رد فعل المقاومة، الدرس، وذهبت إلى تبريد الجبهة".
وتابع: "ندرك النيّات المبيتة لـ(إسرائيل)، ونؤكد أنّنا ومقاومتنا في غزة ومحور القدس في المرصاد، وسنهبّ للدفاع عن الأقصى والضفة".
الرسالة الثالثة: مواجهة الحرب الدينية الصهيونية
وتحدث السنوار عن الأحداث الأخيرة في القدس والتي شهدت اعتداءات من الاحتلال (الإسرائيلي) على المصلين والمعتكفين في المسجد الأقصى، وقال: العالم كله يرى الحرب الدينية التي يشنها شذاذ الآفاق على الأقصى على القدس والضفة، وإذا لم تكن كل هذه الاعتداءات حربا دينية، فما هي الحرب الدينية؟".
وأضاف السنوار: "الحرب الدينية الصهيونية ليست على الإسلام فقط، بل أيضا على المسيحية، فماذا يعني هدم المقابر المسيحية والهجمات على الكنائس، ومنع إخوتنا المسيحيين من الوصول إلى كنائسهم في مدينة القدس".
ونوه إلى أن الإدارة الأمريكية حاولت إقناع الاحتلال بضبط خطواته في المسجد الأقصى، لكنه لم يستجب وكرر اقتحام الأقصى.
وأشار السنوار إلى أن ردة فعل المقاومة في الضفة وغزة وجنوب لبنان كانت مثل صاعقة كهربائية بسيطة وجهت رسالة للاحتلال وفهمها كما لم يفهم كل رسائل الوسطاء.
وأكد أن القوى الفلسطينية في المقاومة ومحور القدس تعمل على الدفاع عن قدسهم وأقصاهم وشعبهم، وأنهم يدركون النوايا المبيتة للاحتلال لما بعد رمضان وستكون لهم بالمرصاد.
وفي السياق، خاطب المستوطنين قائلا: إنّ "قلةً من المتطرفين تشعل حرباً دينية ستخوضونها"، داعياً إيّاهم إلى الرجوع إلى "كتبهم ليعلموا ما ينتظرهم إن لم يوقفوا هذا المسار، ويكفّوا عن العبث بالمسجد الأقصى".
ويشهد الكيان (الإسرائيلي) حالة غير مسبوقة من الخلافات الداخلية، التي ترجمت إلى مظاهرات أسبوعية في الشوارع، ومناكفات حادة بين قيادة الكيان من كافة الأحزاب.
الرسالة الرابعة: فلسطين مفتاح الاستقرار في المنطقة
وأشار السنوار إلى أن أهم أهداف السائرين على درب تحرير القدس يجب أن يكون استقرار المنطقة وازدهارها والتئام شعوبها وتآلفهم، وأن الضرورة توجب على الدول العربية والإسلامية الوحدة والتصالح وإنهاء الخلافات بينها.
ودعا إلى عودة سوريا للجامعة العربية وترميم ما دمرته الحرب فيها.
وأكد السنوار أن الفلسطينيين يمثلون المادة اللاصقة التي يمكن أن توحد صفوف الأمة حول قضيتها الأولى.
وأضاف : "يوم القدس ليس مجرد مهرجانات واحتفالات وخطب تلقى، بل هو بات اليوم باروداً وأنفاقاً وصواريخَ وجنوداً وكتائبَ وعشاق شهادة يتبايعون على الموت، يجب أن تتحول أعوامنا جميعها إلى أيام للقدس نفديها بجهدنا وعرقنا وكل ما نملك.
الرسالة الخامسة: الأقصى قنبلة نووية
ووجه السنوار رسائل مهمة للزعماء العالميين والدول العربية والإسلامية ويهود العالم، بشأن التطورات الأخيرة في فلسطين.
وأعرب عن استنكاره لمعايير الزعماء العالميين المزدوجة وزيف ادعاءاتهم، مؤكداً أن هذه الحرب الدينية يجب أن تتوقف.
وأكد أن عبارات الاستنكار لم تعد كافية، وأنه يجب تغيير استراتيجياتهم وإنهاء التطبيع وإغلاق السفارات ودعم مقاومة الشعب الفلسطيني.
وحث السنوار يهود العالم على رفض سلوك الحكومة الصهيونية ومقاطعتها وإجبارها على تغيير مسارها، وإلا ستطالهم تداعيات الحرب الدينية التي يشعلها غلاة المتطرفين المستوطنين.
وحذر السنوار من التلاعب بالقنبلة النووية المسماة الحرم القدسي والمسجد الأقصى؛ "إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا".
الرسالة السادسة: يوم القدس العالمي تجديد للعهد
وقال رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار إن يوم القدس العالمي يهدف إلى الحفاظ على القدس والأقصى في وجدان العالم وضمير الأمة، وتجديد العهد السنوي معهما.
وأشاد بمشاركة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في مهرجان غزة لإحياء يوم القدس العالمي، مثمنا تجديد الرئيس رئيسي التزام إيران بدعم المقاومة الفلسطينية.
وأضاف السنوار أنه يقدر عاليًا الالتزام الذي جدده الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله تجاه فلسطين والمقدسات.
وأشار إلى أن المقاومة في غزة لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بدعم إيران وإسنادها الدائم.
ووصف السنوار مشاركة الجماهير الحاشدة في المدن العربية والعالمية والإسلامية في يوم القدس بأنها دليل دامغ على أن القدس والأقصى يتربعان في صميم قلوب الأمة، وهما القضية الجامعة الموحدة التي يمكن للأمة الالتفاف حولها.