قائمة الموقع

مقال: تحولات المجتمع (الإسرائيلي)

2023-04-27T15:20:00+03:00
بقلم الباحث في الشأن الإسرائيلي/ د. عبد الرحمن القيق

يعيش المجتمع الإسرائيلي درجة من التحولات الداخلية المهمة والمؤثرة على السياسة والتاريخ والاجتماع والإستراتيجيات، قد تترتب عليها أبعاداً وجودية لم يواجهها الكيان من قبل؛ لأن الدول تبني استراتيجياتها لمواجهة عدوٍ قادمٍ من الخارج، ولكن حين يكون التحول في المجتمع الإسرائيلي قادمًا من وحي الموروث والمُقدَّس والقيم التي صنعت التجربة الصهيونية، حينها تقف كل التقديرات في ارتباك؛ لأن الحسابات التي اعتادتها الأجهزة الأمنية لم تثمر في علاج الحالة، بل ازداد الأمر سوءاً، فالتحولات في المجتمع العربي في الداخل المحتل نسبياً تتجه نحو الفلسطنة والوعي القومي العربي، وتبتعد أكثر عن الإسرئلة بمفهوم الهوية والانتماء، في ظل غياب العقلانية والعقلية الاحتوائية التي شهدناها في عصور حكم العلمانية الاشتراكية الصهيونية.

تحولات في التجمعات اليهودية من حيث سيطرة اليمين على مؤسسات السياسة والحكم بالغلبة والانتخاب، فيما الدولة العميقة لليسار لا تزال تفرض سيطرتها على الأجهزة الأمنية والجيش والإعلام والقضاء والشركات والبنوك، ومن الواضح في السلوك الإسرائيلي لهؤلاء أنهم يتحركون دون كوابح أمنية أو قومية، فهم في مرحلة الحفاظ على الذات والدوس على كل الثوابت، مقابل الحفاظ على المكتسبات، التي قد تضع لهم بعض بصيص أملٍ لمرحلة حكمٍ جديدةٍ وإن كانت حتى الآن غير عملية.

وقد وَلَّدَ هذا التحول في المجتمع الإسرائيلي كل إمكانات الصراع المُؤَدِي إلى الهلاك، صراعٌ ينضح بالعفن والعنصرية والتاريخ والموروث والعرقية والإثنية المغموسة بدم السياسة، تحولاتٌ مهمةٌ وخطيرةٌ في عصر السايبر والذَّرَّة، ولكنها لا ترتقي بالمجتمع، بل تصنع منه قيماً عقيمة، تأخذه نحو عناوين صراعاتٍ داخلية، صراعات تتسلل إلى البُنى التحتية والعامودية والأفقية، تُذهِب بالعقول، وتمزقها في كل الاتجاهات.

 تحولاتٌ كبيرةٌ تطرح فيها قضايا اللون والعرق والدين والموروث، ولكنها تدوس الانسان والإنسانية، وتحول الفرد اللاانسان تدريجياً إلى ذبَّاحٍ، يُمزِّق قيم الترابط والتماسك بين المجتمعات الإنسانية باسم الدين والوطن والهوية والمقدس.

تحول أقرب إلى كوابيسٍ في ذهنِ مريضٍ نفسيٍ يعيش حالةً من الشيزوفرينيا "انقسامٌ، انفصامٌ، كراهيةٌ، إقصاءٌ باسم الدين أو الهوية"، لم تخدمهم الديموقراطية أو الليبرالية، بل قدَّمتهم قرابين على مذبح المُقدَّس.

رجال الفكر والسياسة في الكيان قدموا المُقدَّس على حساب القانون والانسان، وقدسوا الدم حتى في قرابين الدين، وجعلوا للشعوذة والخرافة وزن، وباعوها باسم الدين؛ ليشتروا به تاريخاً مزيفاً، ووطناً وسُذجاً يُسبحون بحمدهم.

 بات الوطن قسمة في يدي اللاعبين اللاشرعيين، أبناء الشجرة الملعونة في التاريخ والدين والحضارة، عُشاق التزييف والتحريف، يلاحقون فيه الأصيل والمواطن، الوطن والوطني، المسجد والمُصَلِّي، المتدين والملحد، الشجر والحجر، وكل من يمكن غداً أن يتكلم أو يشهد، لكن الله أوقعهم في شر أعمالهم، قادهم إلى تناحر وتناحر، وتمزق وانقسام، هو كذلك حتى يأتي وعد الله، وهو أقرب مما يتخيلون.

اخبار ذات صلة