قائد الطوفان قائد الطوفان

مهجرو غزة.. متخوفون من شتاء يعصف بخيامهم

بيت لاهيا- ريما سلمان

تعيد نسمات الهواء الباردة التي تلسع وجنتي المهجرة عارفة العطار ذكريات الشتاء الماضي القاسية التي عاشتها داخل خيمة متهاوية أثقلتها الثقوب، وأذابتها الأمطار.

تجلس العطار في الأربعين من عمرها أمام خيمتها قبل مغيب شمس أكتوبر الفاترة، والخوف يأكل قلبها من تكرار مأساتها مجددا مع دخول فصل الشتاء، سيما أن خيمتها لا تقي حر شمس ولا برد شتاء.  

تقول عارفة لـ "الرسالة": "أنجبت طفلي في ليلة من ليالي الخيام الماطرة, فبعد أن خرجت من المشفى لم أجد ملاذا يحويني وطفلي, فخيمتنا التي أصبحت سكننا الوحيد بعد دمار منزلنا في حرب الفرقان أغرقتها مياه الأمطار".

وأضافت "بعد تدخل الشرطة، استطعنا اللجوء لعيادة مجاورة لمخيم الثبات في منطقة العطاطرة في بيت لاهيا شمال القطاع".

أجواء قاتلة

بملامح يملؤها الحزن تشير العطار إلى أنه مع بزوغ شمس اليوم التالي طلب حارس العيادة منها مغادرتها, مما اضطرها للعودة للخيمة التي لم تعد صحية "وما فيها أصبح باليا", وتضيف: "أصبحت  أنا وطفلي وزوجي المريض في جو أوبئة قاتلة".

وتتخوف العطار من تكرار ذات المأساة خاصة وأن فصل الشتاء أضحى على الأبواب، مطالبة الجهات المعنية بالعمل على إعمار بيتها في أسرع وقت ممكن.

ويعيش المئات من الغزيين في مخيمات أقامتها جهات إغاثية، بغية إيواءهم، بعد  أن دمرت منازلها خلال الحرب الأخيرة على غزة مطلع العام الحالي.

ولا تزال تغيب بوادر الإعمار عن قطاع غزة، في ضوء التجاذب السياسي الحاصل على الساحة الفلسطينية، والذي يحول دون تقديم الدول المانحة أي دعم لإعادة إعمار غزة. 

وفي السياق نفسه تقول كوثر معروف 41عاما "لقد فزعنا من نومنا على مياه المطر المنسكبة علينا من ثقوب خيمتنا المرقعة مما اضطرنا للجوء لخيمة جيراننا لنحتمي بها، إلا أن أحد أبنائي الذي نهض مفزوعا أسقط لمبة الغاز على الفراش مما أدى إلى حرق الخيمة".

وتضيف معروف وهي أم لعشرة أبناء والحسرة تمزق قلبها "ضاع الملجأ ورجعنا كالمتسولين ننتظر المساعدات من أهل الخير".

وتدعو المواطنة المكلومة الحكومة الفلسطينية في غزة بالعمل على بناء بيتها أو توفير مسكن بديل، ليحمي أطفالها من برد الشتاء، مؤكدة أن الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها صعبة ولو كان بمقدورها استئجار بيت لاستأجرته لإيواء أطفالها.

الحصار يعيق

من جانبه أوضح إبراهيم رضوان وكيل وزارة الإسكان أن هنالك حوالي 60 ألف أسرة متضررة جراء الحرب على غزة, ذاكرا أن 3500 أسرة دمرت بيوتهم بشكل كلي ولم يتم بناؤها حتى الآن.

وأكد أن الحكومة ووكالة غوث اللاجئين ومنظمة UNDB قدموا مساعدات مادية للمتضررين كل حسب الضرر الذي وقع عليه, مشيرا أن الحكومة قدمت لـ 120 أسرة غرف صغيرة متنقلة "كرافانات".

وعن سبب تأخر بناء البيوت المدمرة قال رضوان "الحصار وقلة مواد البناء أخرتنا عن مشاريع بناء البيوت المدمرة" مشيرا إلى أنه وعلى الرغم مما يعيشوه من حصار لكنهم عملوا على ترميم 5 آلاف بيت آيل للسقوط بالتعاون بين الحكومة والبنك الإسلامي للتنمية.

ويصف رضوان نسبة المهجرين القاطنين في الخيام بـ"القليلة", "لأن المعظم تأجروا بيوت بالمساعدات المادية التي قدمت لهم", مؤكدا حرص حكومته على تسكين ما يمكن تسكينه من المهجرين قبل بداية فصل الشتاء.

وطمأن رضوان جميع الأسر المدمرة بيوتهم بأن الحكومة تنوي إعادة بناء بيوتا لهم على مساحة ( 100 – 110 متر مربع ), لافتا إلى أن هناك ألف منزل مبني من "الاسباست" دمر، إلا أن حكومته ستقوم ببنائه بالخرسانة المسلحة.

كارثة إنسانية

وحذرت منظمات الأمم المتحدة العاملة في قطاع غزة من كارثة إنسانية تضرب القطاع المحاصر إسرائيليا منذ يونيو 2007 وتزيد معاناة سكانه بحلول فصل الشتاء وما يصاحبه من برودة قارسة ورياح عاصفة وأمطار غزيرة.

وقالت المنظمات في تقرير لها: "فصل الشتاء سيتسبب في كارثة إنسانية بغزة، فالخيام التي تقطنها العائلات التي هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منازلها خلال عدوانها الأخير على القطاع لا تستطيع الصمود في وجه الرياح والأمطار".

ومن بين المنظمات التي أصدرت هذا التقرير: منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وبرنامج الغذاء العالمي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وجاء في التقرير أن "الاحتلال الإسرائيلي دمر أكثر من 3500 وحدة سكنية بالكامل على رؤوس قاطنيها، وشرد عشرات الآلاف من الأسر، وألحقت شظايا نيرانه وقذائفه الصاروخية أضرارا جسيمة بخمسين ألف وحدة سكنية".

وأضاف أن: "القطاع يحتاج إلى نحو 60 ألف وحدة سكنية بشكل عاجل لإيواء المتضررين من الحرب بتكلفة مليار دولار أمريكي على الأقل".

ولفتت المنظمات الدولية إلى أن "الحصار الإسرائيلي الذي يمنع مواد البناء عن القطاع منذ قرابة أربع سنوات يجعله بحاجة إلى 4000 طن يوميا من الأسمنت و100 طن يوميا من الحديد".

وشدد على أن "الفلسطينيين الذين يعيشون في خيام الإيواء لا يجدون حاليا حتى الخيمة لإيوائهم بعد أن قطعت بفعل الشمس الساطعة خلال الصيف أو تطايرت بفعل الرياح الخماسينية الأخيرة".

وطالبت تلك المنظمات بإنهاء الحصار الإسرائيلي وإعادة إعمار المنازل المهدمة ووضع خطة لإعادة تأهيل وتطوير المشاريع المتضررة.

وأسفر العدوان، الذي شنه جيش الاحتلال بين السابع والعشرين من ديسمبر والثامن عشر من يناير الماضيين، عن استشهاد أكثر من 1400 فلسطيني وجرح أكثر من 5400 آخرين، فضلا عن تدمير حوالي 16 ألف منزل، وتشريد 35 ألف أسرة لتصبح الخيام مقرها الدائم.

ولم يتبق سوى أيام تفصلنا عن فصل الشتاء وبرودته القارصة, فهل ستجد الأسر التي تعيش في خيام بالية مسكن يحميها من عواصف شتاء قادمة؟

 

البث المباشر