وضعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) منذ انطلاقتها في 14 من ديسمبر عام 1987م تحرير الأسرى على رأس أولوياتها، وطبقت ذلك واقعاً عملياً حين نفذت الوحدة القسامية الخاصة (101) بعد أشهر فقط من انطلاقة الحركة أولى عملياتها وأسرت الجندي الصهيوني آفي سبورتس.
تلا عملية أسر سبورتس وهي أول عملية أسر تنفذها كتائب القسام وبعد أشهر فقط منها، في الثالث من مايو عام 1989 تنفيذ الوحدة الخاصة (101) ثاني عمليات أسر الجنود الصهيوني إيلان سعدون، لتمثل بذلك تأكيدا واضحا على سعي حركة حماس الدؤوب لتحرير الأسرى من سجون الاحتلال مهما كلف الثمن.
وترجمت حركة حماس عبر كتائبها القسامية الاهتمام بقضية الأسرى على أرض الواقع حين نفذت منذ انطلاقة الحركة أكثر من 25 عملية أسر لجنود صهاينة نجحت في بعضها، وحالت ظروف الميدان أمام نجاح بعضها الآخر.
في قبضة القسام
في الثالث من مايو عام 1989م أحكمت قبضة القسام على الجندي الصهيوني إيلان سعدون ليكون ثاني جنود الاحتلال وقوعا في قبضتها، وهو تغير استراتيجي كبير في مسار عمليات المقاومة التي كانت محصورة في عمليات إطلاق النار وقتل جنود الاحتلال، وتحولت لاعتقالهم أحياء بُغية إرغام الاحتلال على تحرير الأسرى في السجون مقابل جنوده.
ويروي أحد منفذي عمليتي أسر سبورتس وسعدون، القائد القسامي الشهيد محمود المبحوح في لقاء تلفزيوني سُجل قبل استشهاده تفاصيل العملية، وكيفية تنفيذها والملاحقة التي تمت عقب التعرف على هويته كمنفذ للعملية بصحبة المحرر في صفقة وفاء الأحرار محمد الشراتحة.
ويسرد المبحوح اللحظات الأولى لعملية الأسر "أوقفت المجموعة السيارة للجندي فيما كان ينتظر أحداً ليقله، وأجلسوه في الكرسي الخلفي، وذلك عند دوار المسمية – القدس المحتلة، حيث طلب منهم نقله إلى دوار المجدل".
ويبيّن المبحوح أنه جرى نقل الجندي في السيارة وقتله أيضاً ودفنه في المكان المعد لذلك، ومن ثم انتقلت المجموعة إلى قطاع غزة عبر الحدود الشرقية، ووضع السيارة في منطقة جبل الكاشف، شرق بلدة جباليا شمال غزة.
فيما يوضح الأسير المحرر محمد الشراتحة، أن عملية الأسر تمّت من الطريق ذاته الذي أسر منها الجندي "سبورتس"، لكن الموقع يبعد خمسة كيلو مترات عن الموقع الأول، إلا أنه تمّ التخلص من الجندي ودفنه في المكان المتفق عليه لصعوبة الأوضاع.
عجز متواصل
كان الهدف من أسر الجندي الصهيوني إيلان سعدون هو قتله والاحتفاظ بجثته للتفاوض على مبادلتها بأسرى فلسطينيين وذلك لصعوبة الاحتفاظ به حيا نظرا للظروف الأمنية المعقدة حينها، ونجحت المجموعة في ذلك.
بعد أسر سعدون ألحقت كتائب القسام فشلاً ذريعاً بقادة الاحتلال وأجهزته الاستخباراتية وأظهرت عجزه في الوصول إلى جثة الجندي الأسير لسنوات عديدة.
وبعد حملة شرسة من الاعتقالات قادتها السلطة الفلسطينية عام 1996م ضد أبناء وكوادر حركة حماس، وأجرت خلالها تحقيقات قاسية مع العديد من مجاهدي القسام مستخدمة أبشع صنوف العذاب، تمكنت أجهزة السلطة من الوصول لمكان إخفاء "إيلان سعدون"، لتقدم خريطة المكان الموجود به جثة الجندي الصهيوني إيلان سعدون كهدية مجانية للعدو الصهيوني بعدما عجزت مخابرات الاحتلال وبكل وسائلها وأساليبها من العثور على رفات الجندي، لتفشل بذلك صفقة تبادل أسرى وشيكة بين المقاومة والاحتلال يتنسم خلالها الأسرى الحرية.
مواصلة الطريق
لم تكن عملية أسر إيلان سعدون ومن قبله آفي سبورتس إلا بداية الطريق، فحركة حماس التي تعهد مؤسسها الشيخ الإمام الشهيد أحمد ياسين بتحرير الأسرى في تصريحه الأشهر " بدنا أولادنا يروحوا ... غصب عنهم" واصلت الطريق وحررت الأسرى.
ففي يونيو عام 2006م، أسرت المقاومة الفلسطينية الجندي الصهيوني جلعاد شاليط من داخل دبابته، وتمكنت من الاحتفاظ به في قطاع غزة لخمس سنوات في ظروف أمنية بالغة التعقيد، ليتوج جهدها، بإرغام الاحتلال صاغراً عن الإفراج عن 1027 أسيراً جُلهم من أصحاب الأحكام العالية مقابل إفراج المقاومة عن الجندي الصهيوني الأسير في غزة جلعاد شاليط.
أخذت كتائب القسام على نفسها عهداً بتبييض السجون من الأسرى وكسر قيدهم رغما عن الاحتلال، وبذلت في ذلك الغالي والنفيس، وتمكنت خلال معركة العصف المأكول من أسرى الجندي شاؤول أرون خلال كمين محكم شرق غزة، كما أسرت الضابط هدار غولدن خلال الاشتباك مع قوات الاحتلال شرق رفح، إلى جانب احتفاظها بالجنديين هشام السيد وأبراهام منغستو.
مستمرون بالإفراج عن الأسرى
وخلال لقاء تلفزيوني سابق كشف عضو هيئة الأركان في كتائب القسام القائد محمد السنوار عن محاولة كتائب القسام تنفيذ عملية أسر خلال معركة سيف القدس 2021م، شرق مدينة خان يونس وذلك في إطار سعيها الحثيث لتحرير الأسرى من سجون الاحتلال.
وعلى هامش زيارته لمعرض نظمته وزارة الأسرى بغزة قبل أيام، أكد عضو قيادة حركة حماس في قطاع غزة روحي مشتهى أن المقاومة مستمرة في مسعاها للإفراج عن الأسرى في سجون الاحتلال"، مشدداً بالقول:" نقول لأسرانا لن نكل أو نمل من العمل لتحريركم، وإن لم نستطع تحريركم بالطرق المعروفة، فستدهشون من طريقة الإفراج عنكم".
وتحكم كتائب القسام اليوم قبضتها على أربعة جنود صهاينة، وتؤكد أن هؤلاء الجنود لن يروا النور ما لم يتنسم أسرانا الحرية، لتثبت بذلك أنها الأمينة على حقوق شعبنا والوفية لوعودها لأسرانا ومقدساتنا.
المصدر: كتائب القسام